خالد يوسف الجدار البشري الذي دافع عن متحف مصر من نهب الرعاع

السبت 21-06-2014

المخرج المصري خالد يوسف يهجر السينما ليدخل السياسة بعد ثورة يناير حيث تم اختياره عضوا في لجنة صياغة الدستور ومستشارا لحملة السيسي.

القاهرة- لا ينسى المصريون والعالم لهفة خالد يوسف، وهو يركض من ساحة إلى ساحة أثناء اندلاع أحداث ثورة 25 يناير في العام 2011، وهروعه إلى مكاتب القنوات الفضائية للتحذير من احتمال نهب المتحف المصري، وتشكيله سدا بشريا يمنع الرعاع ممن اندسوا بين المتظاهرين، في ظل غياب قوات الأمن والشرطة.

فنانون كثيرون في العالم استهوتهم السياسة، ووصل بعضهم إلى كرسي الحكم في أعظم الدول وأقواها، كما حدث مع الرئيس والممثل الأميركي الراحل رونالد ريغان، أو أصبح حاكما لإحدى الولايات الكبرى، مثل نجم أفلام الحركة أرنولد شوارزنيغر، فيما فاز آخرون بحقائب الوزارة، ومنهم النجم الهندي أميتاب باتشان الذي تولى حقيبة وزارة الثقافة في بلاده، وينتمي إلى هؤلاء المخرج المثير للجدل بأفلامه ومواقفه السياسية معاً.. المصري خالد يوسف.

ودخل يوسف الفن من بوابة السياسة، حيث لم يدرس السينما، وإنما الهندسة، وقاده العمل السياسي بالجامعة، والذي كان أحد رموزه في فترة الثمانينات من القرن الماضي للتعرف على أستاذه في الفن والحياة، المخرج العبقري الراحل يوسف شاهين، حيث عمل مساعدا له في العديد من أفلامه، واشترك معه في إخراج آخر أفلامه “هي فوضى”، الذي تنبأ فيه الاثنان بقيام ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بحكم الرئيس المخلوع مبارك.

لم يكتف خالد بالعمل الفني، بل انخرط في العمل السياسي، وهجر الكاميرا والسينما من أجله، منذ أن لاحت تباشير 25 يناير، التي أصبح واحدا من أبرز ناشطيها، ومع تطور الأحداث في مصر، ظل حاضرا في المشهد بحيوية وفاعلية، واختير عضوا في لجنة الخمسين التي صاغت الدستور المصري الجديد، كما اختير مستشارا لحملة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رغم صداقته القديمة بمنافسه المرشح اليساري الخاسر حمدين صباحي. وأخيرا أعلن خالد منذ أيام عن اقتحامه للعمل السياسي رسميا بالترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

منافسة شرسة

اختار المخرج خالد يوسف الترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة عن دائرة كفر شكر بالقليوبية – مسقط رأسه، مبررا ذلك بأنه جاء كاستجابة لمطالب أهالي الدائرة، وبعض الشخصيات العامة بالمحافظة، والقوى السياسية والشبابية بدائرة كفر شكر، ويبدو أن هؤلاء قد تصوروا أنه سيكون قادرا بنجوميته وعلاقاته بأصحاب القرار وكبار المسؤولين على تقديم خدمات للمواطنين، والمساهمة في حل المشاكل التي يعانى منها أبناء الإقليم.

وجاء إعلان المخرج المعروف ترشحه للبرلمان، ليشعل المنافسة على مقعد كفر شكر في انتخابات مجلس النواب القادم، في القليوبية، حيث من المتوقع أن يواجه يوسف حربا شرسة من رموز الإخوان والحزب الوطني المنحل.

ويعتمد خالد يوسف على دعم عائلة محيى الدين، التي ينتمي إليها عدد من رموز ثورة 23 يوليو من الضباط الأحرار، وعلى رأسهم نائب الرئيس جمال عبدالناصر، الراحل زكريا محيي الدين، ومؤسس حزب التجمع اليساري خالد محيي الدين، مستفيداً من قربه وعلاقته الوثيقة بمحمد زكريا محيى الدين مؤسس التيار الشعبي، الذى يتزعمه صباحي.

وبعد أن أفصح يوسف عن نيته في الترشح ظهر 5 منافسين له، أبرزهم عربي فؤاد، وهو رجل أعمال وصاحب مصنع للمستلزمات الطبية، وخاض تجربة الترشح للانتخابات لمده دورتين عن الحزب الوطني المنحل ولم يحالفه الحظ، والثاني محمد أبو عيطة من قرية الجمرانية ابن عم المناضل كمال أبو عيطة وزير القوى العاملة والهجرة السابق.

خواء سياسي

اختار المخرج الشهير الذي اتهمته جماعة الإخوان بالمبالغة في تصوير تظاهرات 30 يونيو 2013، باستخدام تقنيات سينمائية ليقنع العالم بضخامة الحشود المليونية التي خرجت تطالب بإسقاط المعزول محمد مرسي، الترشح للانتخابات مستقلا، وهو ما يتسق مع رؤيته وتقييمه للأحزاب السياسية في مصر، والتي يصفها دائما بأنها تعاني من الخواء السياسي، وينصحها بالعمل من خلال الائتلافات والتكتلات الشعبية، لتعويض ما تفتقده من قواعد على الأرض.

ويردد يوسف، مثله مثل كثير من الليبراليين في مصر، نغمة تتهم الأحزاب المصرية التي تضاعف عددها بشدة عقب أحداث 25 يناير 2011 بأنها أحزاب كرتونية لا وجود ولا قواعد ولا تأثير لها في الشارع، وهو ما صرفه من البداية عن الانضمام حتى للأحزاب الوليدة التي ارتبطت بأسماء سياسيين ورجال أعمال كبار، مثل حزب الدستور الذي أنشأه الدكتور محمد البرادعي، وحزب المؤتمر الذي أسسه أمين عام الجامعة العربية السابق عمرو موسى، وحزب المصريين الأحرار الذي ارتبط باسم رجل الأعمال نجيب ساويرس.

ويلقي خالد باللوم في ذلك على الرئيس المخلوع حسني مبارك، متهما إياه بأنه هو الذي تسبب في تجريف الحياة السياسية ووصول جماعة الإخوان للحكم، لأنه كان يضرب الحياة الحزبية ضربات أمنية وسياسية، مطالبا الأحزاب الموجودة حالياً بالتحالف مع الائتلافات والحركات الشبابية الفاعلة والتي تقود حركة الشارع، حتى تسد الفراغ السياسي ولا تسمح بعودة الإخوان للمشهد مرة أخرى عقب انتهاء فترة ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، سواء كانت أربع أو ثماني سنوات.

الفن والسياسة

مثلما كانت السياسة هي البوابة التي دخل من خلالها المخرج خالد يوسف، المولود في مدينة كفر شكر (شمال القاهرة) سنة 1964، والذي تخرج سنة 1990 من قسم الهندسة الكهربية في كلية الهندسة بشبرا جامعة بنها إلى عالم الفن، ومثلما كانت هي النافذة التي تعرف من خلالها على عدد من الشخصيات الفنية ذات الاهتمامات السياسية، وعلى رأسهم أستاذه يوسف شاهين، فقد كانت أيضاً هي السبب في اتهام بعض النقاد له بتحويل بعض أفلامه إلى منشورات سياسية زاعقة.

وقد ترأس يوسف اتحاد طلاب الجامعة، وقام أثناء الدراسة بإخراج مسرحية “المهرج” للكاتب السوري الراحل محمد الماغوط على مسرح الطليعة ضمن النشاط الطلابي للجامعة، ولفتت المسرحية إليه أنظار عدد من المخرجين، وكانت سببا في تعرفه على المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين، الذي تعلم على يديه أسرار الإخراج السينمائي، وعمل مساعدا له في إخراج وكتابة السيناريو والحوار لأفلامه الأخيرة، قبل أن يشاركه إخراج آخر أفلامه “هي فوضى”.

كانت السياسة أيضا هي السبب في ابتعاد خالد عن بلاتوهات التصوير، بسبب انشغاله بالأحداث المتوالية التي حدثت في مصر منذ بداية ثورة 25 يناير، والتي أطاحت بالرئيس مبارك بعد 30 سنة من الحكم يوم 11 فبراير 2011، وكان من أهم الفنانين الذين نزلوا إلى ميدان التحرير ودافعو عن المتظاهرين ضد الحملات الإعلامية ضدهم.

فنان أيديولوجي

على المستوى الفني، يرى بعض النقاد في خالد يوسف، واحدا من المخرجين القلائل في تاريخ السينما المصرية الذين يجمعون بين الموهبة والثقافة السياسية والدافع للإنجاز، ويعتبرونه امتدادا لمدرسة المخرج العبقري الراحل عاطف الطيب، الذي قدم خلال سنوات عمره القصير عددا مقبولا من الأفلام يفوق عدد ما قدمه مخرجون آخرون أكثر موهبة وأعمق فكرا مثل المخرجين المعروفين بمخرجي الثمانينات، محمد خان، خيري بشارة، وداود عبدالسيد، بسبب كسلهم الفني وعدم قدرتهم على التعامل مع التغيرات الطارئة في سوق السينما بحجة رفض الإسفاف وأنها أفلام تجارية.

ويشيد هؤلاء النقاد بشجاعة يوسف، ويصفونه بأنه فنان أيديولوجي، وله وجهة نظر في الحياة والسياسة والفن، ومع ذلك فهو يحاول عدم الانسياق وراء الأفكار، ويعرف أن السينما تجارة قبل أن تكون فنا، ويقدم لمحات سياسية ونقدا اجتماعيا حتى في أفلامه التي تبدو تجارية مثل “خيانة مشروعة”.

لكنهم يأخذون عليه أنه يستسلم أحيانا للخطابية الزاعقة كما فعل في فيلميه “هي فوضى”، و”حين ميسرة”، ويلجأ كثيرا إلى الجنس كما هو الحال في فيلم “الريس عمر حرب”، خوفا من عدم تقبل الجمهور للفكرة الفلسفية التي يناقشها الفيلم، وتذكر بروايتي “أولاد حارتنا” و”قلب الليل” لأديب نوبل نجيب محفوظ.

كسر التابوهات

لا تتوقف الاتهامات للمخرج المثير للجدل عند كسر التابوهات المعهودة، وهي الجنس والدين والسياسة، والتي جعلته هدفا لبعض الدعاوى القضائية، التي تنوعت بين دعاوى تتهمه بنشر الفجور من خلال تقديم المثلية الجنسية عند النساء على الشاشة في مشهد بين غادة عبدالرازق وسمية الخشاب في فيلم “حين ميسرة”، إلى دعوى تتهمه بالإساءة إلى الصوفيين بسبب مشهد للمطربة هيفاء وهبي في دكان شحاتة، لكنها تمتد أيضا إلى اتهامه بمحاولة تشويه صورة مصر والمصريين في أفلامه تحت دعوى الواقعية.

كان خالد يوسف من أوائل المخرجين الذين قدموا صورة ابن البلد على الشاشة بشكل مختلف تماما عن السائد في السينما المصرية، وحوّلوه من بطل إلى بلطجي.

المقصود بتعبير “ابن البلد” هو الشخصية الشعبية التي تنتمي إلى أزقة مصر وحواريها، واعتادت الأفلام المصرية على أن تقدمها في صورة الشاب الشهم العفوي الخدوم الذي يعبر عن أخلاق الفقراء العفويين، وأبناء الطبقات الشعبية المتماسكين المتمسكين بقيم التضامن الاجتماعي والترابط الأسرى والتعاون على الحب والتسامح والرضا بالقليل رغم ظروفهم الاقتصادية القاسية، وأوضاعهم الاجتماعية الصعبة.

ابن البلد، الذى كان يمثله محمد أفندي الشاب المهذب المتعلم الرافض للفساد وامتهان الكرامة في فيلم “العزيمة”، أول أفلام الواقعية المصرية في السينما للمخرج العبقري الراحل كمال سليم.

وابن البلد صاحب الحرفة، مثل الأسطى حسن السباك الذى هجر أهله وناسه ليلتحق بطبقة الأغنياء المرفهة من خلال امرأة لعوب، تتسبب في اتهامه زورا بجريمة قتل زوجها العاجز، فلا يجد الأسطى في النهاية سوى زوجته الوفية وأهل حارته لينقذوه من حبل المشنقة، وهو الدور الذى جسده وحش الشاشة فريد شوقي في فيلم “الأسطى حسن” لمخرج الواقعية صلاح أبو سيف.

وابن البلد، الموظف صاحب الشهادة العالية الذي يفشل في العثور على أربعة جدران تحتويه هو وزميلته التي أحبها وتزوجها سراً بعد خطوبة فاشلة في فيلم الراحل عاطف الطيب “الحب فوق هضبة الهرم”، وجسّد من خلاله الفتى الأسمر أحمد زكى الأحلام المجهضة لملايين الشباب المتعلمين من الطبقات الفقيرة والمتوسطة والدنيا.

ابن البلد، الذي اعتادت السينما المصرية على تصويره خلال عقود طويلة في صورة السوبرمان، تحول في أفلام المخرج خالد يوسف، وخاصة “كلمني.. شكرا”، إلى كائن عشوائي، يعيش في مناطق عشوائية، ويؤمن بقيم عشوائية، ويتحدث بلغة عشوائية، لا أصل ولا فصل لها ولا جذور، ويعيش على ما تجنيه النساء، ويغرق نفسه في المخدرات والجنس الحرام، ويتحالف مع قوى التطرف والإرهاب.

كف القمر

يتحدث الناقد السينمائي المعروف أمير العمري، عن آخر أفلام خالد يوسف “كفّ القمر” فيقول: لم يحظ هذا الفيلم باهتمام نقدي أو حتى جماهيري مشابه لأفلام سابقة للمخرج نفسه، ومرجع ذلك أن عروضه العامة في مصر بدأت بعد أحداث 25 يناير مباشرة والتي أدت إلى إغلاق كثير من دور السينما واضطراب عروض البعض الآخر في تلك الفترة بسبب تدهور الأحوال الأمنية في الشارع.

ويضيف، أن خالد في هذا الفيلم قد تراجع إلى الوراء، وترك العنان لطغيان الرمز السياسي الذي يولع به كثيرا حيث يصل أحيانا إلى حد الصراخ المباشر من خلال الحوار، وحشو الكثير من المبالغات الدرامية التي تجعل من معظم أفلامه بيانات سياسية احتجاجية مباشرة وضعيفة لا تشهد على الظاهرة الاجتماعية المتدهورة بقدر ما تصبح جزءا منها.

المشكلة عند يوسف ، كما يراها العمرى وآخرون أنه لا يريد الاكتفاء بدور السينمائي الذي يقدم رؤية فنية للواقع، بل يريد أن يقوم بدور الخطيب والداعية السياسي أو المصلح الاجتماعي ولو بوضع مجموعة من الافتراضات الدرامية التي تقارب بين الفيلم والواقع بطريقة تذكر بـ”ميلودرامات” سينما أثرياء الحرب في فترة الأربعينات.

العرب