الثلاثاء 27 نوفمبر 2018 – 17:08 م
شهد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في دورته الأربعين، العرض الأول لفيلم #جريمة_الإيموبيليا لمخرجه #خالد_الحجر، في قسم خارج المسابقة، بطولة هاني عادل، و طارق عبد العزيز.
على ناصيتي شارع شريف وقصر النيل، تم بناء عمارة الإيموبيليا عام 1938، لمالكها أحمد باشا عبود الرئيس السابق للنادي الأهلي، لتصبح الأعلى والأضخم في القاهرة آنذاك، بتكلفة 1.2 مليون جنيه، وصُممت على هيئة برجين على شكل حرف “U”، بواسطة المهندسين المعماريين ماكس أذرعي، وجاستون روسي، وتضم 370 شقة، وسكنها على مدار تاريخها العديد من المشاهير حتى سميت بـ”عمارة الفنانين” ومنهم الريحاني وعبد الوهاب وفوزي وماجدة والمليجي وغيرهم، إلا أن جريمة قتل حدثت بها كان لها صدى كبير وارتبط باسم العمارة، ما جعل المخرج خالد الحجر يقدم على تجربة فيلمه “جريمة الإيموبيليا“.
“جريمة الإيموبيليا” الذي عرض لأول مرة ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في دورته الأربعين، في قسم خارج المسابقة، لا يدور حول الحادث الحقيقي الذي شهدته العمارة، ففي تسعينيات القرن الماضي، تم العثور على جثتي سمسار وربة منزل مقتولين خنقًا داخل الإيموبيليا، وتبين أن ساكنا بالطابق الخامس وراء الجريمة بعد خلاف معهما على قيمة سهرة حمراء قضاها مع السيدة.
أما فيلم “جريمة الإيموبيليا” فيؤكد مخرجه ومؤلفه خالد الحجر منذ مطلعه أنه من وحي خياله وليس مأخوذًا عن قصة حقيقية، والاقتباس فقط لاسم العمارة وربطه بجريمة مشابهة لما حدثت، باعتباره أحد سكانها، وهو من بطولة هاني عادل، طارق عبد العزيز، ناهد السباعي، دعاء طعيمة، عزة الحسيني، أحمد عبد الله محمود، ماهر سليم، يوسف إسماعيل، ياسمين الهواري، وغيرهم.
سردية الفيلم تبدأ مباشرة، وتدور حول كاتب روائي شهير “كمال حلمي” (هاني عادل)، يعيش منعزلًا في شقته بعمارة الإيموبيليا، ومنذ وفاة زوجته ورحيل أبنائه عنه، يعاني من الاكتئاب والشيزوفرينيا، حتى إنه يسمع صوتا داخليا دائمًا ما ينتقده ويرشده إلى ما ينبغي القيام به (أداه باقتدار كالعادة الفنان أحمد كمال)، لم يمارس علاقة مع الجنس الآخر منذ سنوات، ولكنه أخيرًا ينتظر مجيء فتاة لشقته بعدما تعارفا على “فيسبوك“.
الصوت الداخلي يحاول منعه من استقبال الفتاة، ولكنه يستجيب لاحتياجه لعلاقة، في محاولة لتخفيف الآثار السلبية لعزلته، تصل “سماح” ( ناهد السباعي ) منفلتة الغرائز، ذات الجرأة الهائلة التي لا تهاب أحدا، ولا يردع تحررها حاجز، غوايتها حاضرة، دلع مارسته عليه مبكرًا منذ وصولها بالضحكة والعيون والكتف العاري والفستان الأحمر القصير، لم يسعه إلا مزيد من الارتباك الذي يحاصره سنوات، فهي محبوبة ومرغوبة، ويُنظر لها بإعجاب وبابتذال معًا “بحبك وعايزاك ومش همشي“.
“كمال” المضطرب وجد نفسه أمام معضلة حقيقية، خاصة بعدما هددته “سماح” بإلقاء نفسها من بلكونة شقته لو لم يُمارس معها الحب، الحب على طريقتها “عايزة أبقى في حضنك”، كبح جماحها بتنفيذ ما أرادته، وبينما هي تستحم بعد إنهاء العلاقة سقطت داخل المرحاض فوجدها قتيلة، الصوت الداخلي يمارس مزيدًا من الضغوط على صاحبه “قولتلك ماتدخلش ست البيت ماسمعتش كلامي.. تستاهل“.
يلجأ “كمال” لجاره وصديقه الوحيد وناشر رواياته “حبيب” (طارق عبد العزيز)، يخبره الأخير بأن الحل في التخلص من الجثة، ويُساعدهما في ذلك “عبده البواب” (يوسف إسماعيل)، وما إن ينجح الثلاثي في مهمتهم وتتوالى الأحدث بطريقة تصاعدية مثيرة، يهدده حارس العقار بعد ذلك ويبتزه ماليا فيضطر إلى قتله، ثم يفاجأ أن “حبيب” يحتفظ بهاتف الضحية “سماح” فيقوم بقتله، ثم يقتل عشيق الضحية الذي كان في البداية من دفعها عليه، لتُسجل علاقتهما بهدف مساومته، وفي النهاية يقتل نفسه للتخلص من الصوت الذي يطارده ويدفعه لارتكاب كل هذه الجرائم.
العمل هو إعادة حقيقية لاكتشاف هاني عادل، أدى الدور ببراعة، في غالبية أدواره كان يعتمد على كاريزمته وحدها، حضور أكثر من موهبة، وأداء تقليدي باهت، إلا أن “جريمة الإيموبيليا” يُعيده للصورة بعد عمليه الأفضل “أسماء” و”اشتباك”، تطور في أدائه وانفعالاته مواكب لتصاعد الأحداث مع زيادة حالات القتل، كذلك ناهد السباعي ورغم أنها لم تظهر إلا في مشهد واحد جمعها بهاني عادل قبل مقتلها، فإنها أدت المطلوب منها على الوجه الأكمل، طارق عبد العزيز ممثل رائع كعادته.
السيناريو الذي كتبه خالد الحجر بيَّن إخلاصًا عميقًا للون السنيمائي الذي اختاره وهو اللون التشويقي، كُتب بحرفية جيدة ونجح في إثارة الريبة مع كل خطوة يخطوها بطل العمل “كمال”، حيث تراكمت الشبهات مع تصاعد الأحداث حتى وصلنا إلى الحقيقة المثيرة بالنهاية وظهر وجه آخر للبطل، كما نجح في رسم مسارات الحبكة الرئيسية وتقاطعاتها مع الحبكات الفرعية بما أتاح تضليل المشاهد حتى لحظة التنوير بنهاية الفيلم.
خالد الحجر المخرج نجح أيضًا في رسم إيقاع جيد لـ”جريمة الإيموبيليا”، واستحضار أجواء محتقنة بالشك والتوجس، وصورة نستور كالفو ذات جماليات قاتمة تترك انطباعًا بالقلق، وموسيقى خالد داغر كانت مناسبة تمامًا للأحداث وللجو العام للفيلم وللعمارة، تجربة جيدة في مجملها وإن شابها بعض القصور، وتُحسب للقائمين عليها، ولمنتجها خالد يوسف.