الثلاثاء 02-12-2014 09:53 م
سيدى الرئيس.. كل ما أبلغت به النائب العام أريد أن أطلعك عليه لأنك المسئول الأول عن البلاد والعباد ولأن هناك قرارات تخرج عن اختصاص النائب العام وتدخل فى صلاحياتك باعتبار أنك تملك حق التشريع وتملك التصديق على المعاهدات الدولية إلى أن ينتخب مجلس النواب.
ولكن فى البداية أود أن أعلن للذين سيهرعون لسبى وشتمى فور فروغهم من قراءة عناوين المقال، أعلن لهم أن ما سأقوله هو جهد مخلص منى قد ينير إضاءات فى طريقكم ومن ذات الخندق الذى تقبع فيه مدافعاً عن هذه الأمة ضد قوى الشر والإرهاب من أصحاب النظام السابق وضد قوى الفساد والإفساد من أصحاب النظام الأسبق، وقد ألتمس عذراً لهؤلاء الذين سيشتموننى لإدراكهم حجم التحدى الذى نواجهه والمؤامرة التى نتعرض لها بجعلنا جميعاً بحاجة إلى الاصطفاف، وهذا ما أسعى إليه من خلال هذه الرسالة وأستثنى منهم هؤلاء الأفاقين الذين يعتقدون أنه بتأليهك (والهبش) فيمن يقترب منك هو شهادة ميلاد جديدة لهم بعد إعلان وفاة نظامهم فى 25 يناير.
إن الشجون كثيرة سيادة الرئيس منها ما أسلفته فى بلاغى للنائب العام وبعضها ما أكتبه لك الآن:
القضية الأولى ثورة 25 يناير ورجال نظام مبارك
إننى أعرف مدى إيمانك بثورة 25 يناير ولا يشكك فى هذا الإيمان إلا رجال النظامين الساقطين ومَن والاهم وتبعهم وكلهم لديهم أغراض، المدهش أنها متعارضة، ولن أتعرض للساقطين من نظام الإخوان لأنها قضية محسومة لدى الجميع الذى يصطف فى مواجهتهم، ولكنى سأتعرض لرجال نظام مبارك الذين ما إن نجحت ثورة 30 يونيو فى إزاحة الإخوان حتى تصوروا أن الفرصة قد واتتهم مرة أخرى، مستغلين أن المصريين قد أيقنوا أن نظام الإخوان أكثر إجراماً من نظام مبارك ولابد أن يعود المصريون لرشدهم ويرضوا بهم أبد الدهر ولكن كانت أمامهم عدة عقبات، أهمها أن الثورة التى أسقطت نظامهم فى 25 يناير لها صاحب وهو الشعب المصرى وما زال يؤمن بها وبأن 30 يونيو هى ثورة مكملة ومصححة لما وقعت فيه الثورة الأولى من أخطاء فبدأوا فى خلق التناقض بين الثورتين وشق صف تحالف 25/30 وبدأوا فى حرب إعلامية لتشويه كل رموز الثورة ونعتهم بالمأجورين بل وإدخال الثورة إلى نفق المؤامرة الدولية التى حيكت بليل ضد مصر وأهلها ونظامها وتناسوا أن ادعاءهم هذا يدخل الشعب المصرى فى خانة الشعوب العبيطة التى انساقت وراء عشرات أو مئات من الخونة المأجورين ونزلوا وراءهم بالملايين فى الميادين وظلوا لمدة 18 يوماً (واكلين داتورة) مغيبين، حتى تحقق للخونة مرادهم ونسوا أن بالبلاد قوات مسلحة لها أجهزة مخابراتية كنت أنت على رأسها ولو كنت تعلم صدق حرف مما يقولون ما كنت تركت مجلسك العسكرى يضرب تعظيم سلام لشهداء الثورة وما كنت جئت على أساس دستور يقر فى ديباجته بعظمة ثورة 25 يناير وما كنت أشدت مرات ومرات فى خطبك فى الداخل والخارج بها وحتى آخر تصريح رسمى للرئاسة قلت فيه رداً على من يدّعى أن أحكام البراءة تعنى عودة نظام مبارك برجاله وسياساته، قلتم إن مصر الجديدة التى تمخضت عن ثورتى 25 و30 ماضية فى طريقها ولا يمكن أن تعود للوراء، فهل يكفيهم كل ذلك ليصمتوا ويجنبونا الدخول فى متاهات لا يستفيد منها غير الإخوان وأعوانهم؟ أم أنهم بحاجة لمخبر صغير من أى مؤسسة أمنية يقول لهم ذلك فيخرسوا للأبد؟ ويبدو أنهم بحاجة لذلك لسابق تعودهم.
سيادة الرئيس.. كل ما نطلبه منك فى هذا الإطار ليس إسكاتهم، مع أن سكوتهم فى صالح الوطن ومستقبله، ولكننا كما نعشق الوطن نعشق قيمة الحرية، فنحن -المرابضين طوال عمرنا دفاعاً عن حرية التعبير- لا يمكن أن يخطر ببالنا أن نسعى للتضييق عليها، فلطالما كنت نقول إن تجربة الديمقراطية تصحح نفسها بنفسها (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ) صدق الله العظيم.
كل ما نطمع فيه أن تقول لهم ما هو موجود فى تقارير أمامك.
كم من ملايين المصريين المصابين بأمراض الكلى والكبد والسرطان؟ بل إن السواد الأعظم من شعب مصر لا يجد الحد الأدنى من الرعاية الصحية ويموت الآلاف منهم يومياً بسبب سوء أو فساد منظومة الصحة. كم من ملايين المصريين العاطلين عن العمل فى واحد من أكبر البلاد إهداراً لطاقتها البشرية؟
كم من ملايين المصريين العاجزين عن تدبير قوت يومهم وكم منهم يزحف على بطنه كى يأكل؟
كم من ملايين المصريين من خريجى الجامعات أو المعاهد أو من الحاصلين على تعليم متوسط ولم يتعلموا شيئاً لأنهم تعلموا فى ظل واحد من أسوأ أنظمة التعليم فى العالم بعدما كنا من أحسن عشر دول فى التعليم فى الستينات؟
كم من ملايين المصريين المحرومين من خدمات أساسية تحقق الحد الأدنى للكرامة الإنسانية مثل المياه الصالحة للشرب أو الصرف الصحى أو الطرق المعبّدة أو وسائل مواصلات؟
قل لهم سيادة الرئيس إن 25 مليون مصرى دخلهم يقل عن 300 جنيه، و50 مليون مصرى دخلهم أقل من 1500 جنيه، بما يعنى أننا أمام 75 مليون مصرى، أى أكثر من 80٪، قد أصبحوا فقراء بعد أن كان فقراء مصر قبل حكم مبارك لا يزيد على 20٪، وإمعاناً فى المأساة وبفضل مبارك ونظامه وسياساته ورجاله الذين أغنوا الغنى وأفقروا الفقير أصبح 85٪ من الناتج القومى يملكه 6٪ من الشعب لتصبح مصر بها أغنى طبقة فى المنطقة وأفقر شعب.
وبعد أن تقول لهم.. أقول لك: أليس كل ذلك بحاجة إلى محاسبة، ألا يستحق هذا التحالف الذى حدث فى عهد مبارك بين الثروة والسلطة أن نحاسبه ونستعيد حقوق هذا الشعب الغلبان من ثروته التى نُهبت، وأراضيه التى وُزعت وصُقعت، ومصانعه وشركاته التى خربوها وباعوها بأبخس الأثمان؟
هل هناك شخص فى مصر يستطيع أن ينكر تزوير الانتخابات فى عهد مبارك، هل تزوير إرادة الأمة لا يحتاج إلى محاسبة، أليس هذا التزوير هو ما أدى إلى غابة من التشريعات الفاسدة والقوانين التى فُصلت على مقاس فسادهم وكفلت لهم السرقة والاستيلاء على المال العام، ومن ثم بعد ذلك هى نفس القوانين التى بمقتضاها قد خرجوا براءة من كل القضايا التى حوكموا فيها، أليست هذه القوانين هى التى جعلت المستشار الرشيدى يقول فى ديباجة حكمه وحيثياته بأنه لم يستطع تطويع القانون للوصول لمعنى العدالة، وطالب المشرّع بمراجعتها، وقال صراحة إنها قوانين ظالمة، وحمّل جريرة الظلم على مَن سَنَّ القوانين.
هل تفريغ الحياة الحزبية من محتواها والتضييق على الأحزاب ومنعها من الوصول لتكوين قواعد شعبية وإذكاء الصراعات داخلها عن طريق جهاز أمن الدولة، ألا يعتبر ذلك جريمة فى حق هذا الوطن الذى كان يتوق إلى صنع حيوية سياسية تكفل له حق تداول السلطة؟
أليس ذلك هو من جعل تنظيم الإخوان باعتباره الكيان السياسى الوحيد القادر على الحركة تحت الأرض أصبح هو الوحيد الجاهز والمؤهل لكسب الانتخابات بعد الثورة، حتى إرهاب الإخوان وأعوانهم وذيولهم الذى نعانى منه لا أتجنى عليه إن قلت إنه ونظامه أحد الأسباب الكبرى لترعرعه، فهو الذى أقام دولة الظلم والفساد التى مهدت لهذه الأفكار طريقاً لعقول هذه الفئة الضالة.
أليس نظام مبارك هو المسئول عن دهس قيم الديمقراطية، والذى يجب أن نحاسبه على عدم اللحاق بالبلاد التى ارتضت واستقر فى وجدانها أن الديمقراطية هى الوسيلة الوحيدة لحصول المجتمعات على حريتها فى اختيار حكامها ونوابها والحفاظ على حقوق وحريات الإنسان؟
هل امتهان كرامة الإنسان المصرى داخل أقسام الشرطة فى عهد مبارك كان خافياً على أحد، ألم تُنتهك حرمة الحياة الخاصة للكثير من مواطنيك وهى الحرمة التى نصت على احترامها كل دساتير العالم بما فيها كل دساتيرنا.
إن مبارك قد قضى على كل القيادات الوسطى ببقائه هو ورجاله على كراسى السلطة لثلاثين عاماً، حتى ترك مصر بعد رحيله عن الحكم وهى خاوية على عروشها، وهو ما اضطر كل رؤساء وزارات ما بعد الثورة أن يمدوا أيديهم فى صندوق مبارك من العواجيز كى يسندوا لهم الوزارات والمؤسسات.. ألا يعتبر سد منافذ الأمل أمام أجيال وراء أجيال فى تولى المسئولية وحرمان مصر من هذه الطاقات جريمة لا تسقط بالتقادم، لقد وصل العبث أنه عبر ثلاثين عاماً لم يجد رجلاً فى مصر يستحق أو مؤهلاً لمنصب نائب الرئيس.
سيدى الرئيس.. إن هذه التركة الثقيلة التى تتحملها اليوم لم تهبط عليك من السماء فجأة ولكنها مسئولية نظام ورئيس يجب أن يحاسبا.
سيدى الرئيس.. الشعب أقر دستوراً به إلزام لخروج قانون للعدالة الانتقالية القائم على أساس المكاشفة والمحاسبة والتعويض، هل يحلم أهالى الشهداء ومعهم بقية أبناء الشعب المصرى من ضحايا العبّارة، إلى ضحايا قطار الصعيد، إلى ضحايا محرقة بنى سويف، إلى كل ضحايا نظام مبارك، أن تكلف لجنة الإصلاح التشريعى بدراسته وسرعة صدوره لعودة الحقوق لأصحابها ونستمع لنصيحة المستشار الرشيدى الذى قال فى حكمه بالبراءة «ما كان يجب الولوج فى هذه المحاكمة عملاً بكود قانون العقوبات».
هل لنا أن نطلب منك أن تصدّق على اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية التى وقعتها مصر منذ سنوات ولم يتم التصديق عليها للآن حتى يتسنى لنا محاكمة كل من ارتكب جرائم ضد الإنسانية سواء فى الماضى أو المستقبل؟
هل لنا أن نحلم أن يحاسب كل المفسدين من ناهبى قوت الشعب وتعود الأموال المنهوبة ما دمت قد أعطيتهم الفرصة تلو الأخرى للتبرع فتبرعوا بالفتات وبخلوا على شعبهم فى محنته.
القضية الثانية الشباب
أعرف مدى حرصك على التواصل مع أصحاب المصلحة الحقيقية فى المستقبل وهم شباب هذا الوطن النقى الطاهر ولن يمنعك تطاول عشرات منهم أن يضعوا حاجزاً بينك وبينهم.
إنه دون هذا التواصل المبنى على الثقة المتبادلة فى صدق النوايا لن نستطيع أن نبنى الوطن الذى حلمنا به جميعاً.
إن هؤلاء الشباب الذين خرجوا فى 25 يناير وكانوا طليعتها هم أنفسهم وبالتمام وبالكمال من قادوا وبادروا وكانوا طليعة 30 يونيو، بل إن بينهم من تحمّل مرارة سجون مرسى وإجرامه ولم يتخلَّ بينما كان الكثير من رموز نظام مبارك الذين يملأون الدنيا صياحاً الآن كانوا تحت الأسرّة مذعورين من انتقام الإخوان ومنهم من كان يخطب ودهم ويجوب مع رئيسهم الفاشل جولاته خارج البلاد والتى كانت أفشل منه.
إن شباب 25/30 هم من فكروا ووضعوا الخطوط العريضة لخارطة المستقبل التى عرضوها عليكم يوم 3 يوليو واستجبتم لها بعد قبول كافة القوى الوطنية ومؤسسات الدولة بها وساروا مع الدولة فى حربها ضد الإرهاب وكانوا الحاشدين يوم طلبت التفويض. ولنراجع مواقفهم من فض اعتصام رابعة، لم يشذ منهم غير عدد قليل لا يزيد على أصابع اليد الواحدة.
وكانت أغلبيتهم الكاسحة فى صف المطالبين بترشحك رئيساً.. لا بد أن نعترف أن بينك وبين قطاع منهم شرخاً بدأ منذ إصدار قانون التظاهر والقبض على بعضهم، ومن يومها والشرخ يتسع يوماً وراء يوم. لعلك تذكر سيادة الرئيس أن الدراسة بالجامعات المصرية بدأت بعد فض اعتصام رابعة بشهر تقريباً واستمرت الدراسة ما يزيد على الشهرين دون مظاهرة واحدة لطلاب الجامعات سواء إخوان أو غيرهم سوى فى جامعة الأزهر، وكانت محدودة، إلى أن صدر قانون التظاهر فى أوائل ديسمبر واشتعلت معظم الجامعات بمظاهرات ضد القانون، وكان الإخوان حتى هذا الحين لم يجرأوا على تنظيم مظاهرة واحدة داخل أى جامعة لغياب أى تجاوب أو تعاطف طلابى معهم، ولكنهم هذه المرة وجدوا الفرصة سانحة للركوب كعادتهم على هذه المظاهرات وحولوا مسارها السلمى للعنف، وسقط شباب أبرياء ما بين جريح وقتيل، وتم القبض على العشرات ثم المئات وبدأ الاحتقان يتزايد واستمرت المظاهرات المطالبة بالإفراج عن المعتقلين وبسقوط قانون التظاهر، ولم يكن معظم المعتقلين إخواناً بل إنهم كانوا من يرفعون صورتك فى ثورة 30 يونيو، والشرطة فى غمرة التصدى لعنف الإخوان لم تفرق بين الإخوانى وغير الإخوانى وأرسلت تحرياتها للنيابة فى معظمها باستعجال لم يمكنها من التدقيق، متهمة الجميع بأنهم تابعون لتنظيم الإخوان وممارسون للعنف والتخريب، وأمرت النيابة بحبسهم وجددت لهم الحبس مرات ومرات، وشعر الطلاب بالمرارة على حبس زملائهم وأحياناً بسبب سقوط شهيد ليس له علاقة بالأمر برمته، والمحزن أن إدارة السجون وضعت كل الطلاب فى زنازين حشرت فيها الطلاب الإخوان مع الطلاب العاديين لشهور طويلة كفيلة مع الظرف النفسى الذى يعانى منه الشاب أن يتعاطف مع الإخوان، وفى بعض الأحيان تم تجنيده بعد إجراء عملية غسيل دماغ، وللأسف إن من شم الغاز وهو فى عمر الشباب أو ضرب بعصى الأمن أو سجن يصبح وجوده دائماً فى كل المظاهرات، ويذكر الجميع أن الشرطة كانت تتصدى منذ فض رابعة والنهضة لمظاهرات مسلحة تقوم بأعمال عنف وتخريب وكانت ناجحة فى التصدى بقانون العقوبات وحده ولم تكن بحاجة لقانون التظاهر المشئوم الذى أدخل على الخط قطاعات من الشباب أبعد ما تكون عن الإخوان وجعلتهم فى مواجهة نظام هم الذين اختاروه ووجدوه المنقذ لهذا الوطن.. صحيح أن قطاعاً ليس قليلاً من هؤلاء الشباب قد أفرج عنه، والصحيح أيضاً أن قطاعاً ليس صغيراً ما زال قيد الاعتقال أو قد صدرت ضده أحكام، ويزيد الاحتقان يومياً بممارسات شرطية خاطئة تذكّر هؤلاء الشباب بما كانت الشرطة تمارسه ضد شعبها إبان حكم مبارك، وكان آخرها سقوط قتيلين فى مظاهرات عبدالمنعم رياض.. لا بد أن يفتح تحقيق جدى وشفاف يعرف فيه الشعب الحقائق، هل فعلها الإخوان المندسون كعادتهم، وما هو الدليل المادى الدامغ على ذلك؟ أم أن ذلك مسئول عنه طريقة الفض الغشيمة التى تتبعها الشرطة؟ عندئذ لا بد من حساب ومحاكمة ولا بد من تدريبات مختلفة غير التى تتلقاها القوات لنرى حرفية مختلفة تتفق مع ما وصل إليه العالم من تقنيات.
إن الشباب بحاجة إلى أن يروا الفرق بين نظام يستهين بأرواح شعبه ونظام يصنع المستحيل للحفاظ على هذه الأرواح حتى لو كانت تعارضه.
خلاصة القول أن هذا القطاع من الشباب، وبالطبع لا أقصد قطاع شباب الإخوان أو القطاع الضئيل من قوى ثورية احترفت المزايدة والشتائم والتطاول والتجريح والتخوين لكل من يخالفهم الرأى، وأعنى هنا وأتحدث عن قطاع عريض من الشباب مملوء بروح الثورة مصمم أن يرى وطنه يحترم الحريات وحقوق الإنسان، هذا القطاع لن يهدأ إلا بأن يرى شعارات ثورته ونصوص دستوره واقعاً متحركاً على الأرض، وكل يوم يمر ولا يرى أننا ماضون فى الطريق السليم يدخل فى مساحات من اليأس تنذر بكارثة، ومما يزيد من إحباطه تلك الحملات الموتورة التى تصفه بالطيش وبأنه مضحوك عليه وبأنه أداة فى يد الإخوان، وهو أبعد ما يكون عن ذلك، هؤلاء الشباب بحاجة إلى تقدير منكم وبحاجة إلى التفاتة مخلصة منكم وبحاجة إلى مد حبل الوصل بدلاً من القطيعة التى لن تفيد إلا أعداء هذا الوطن.
هؤلاء الشباب يطالبون بتعديل قانون التظاهر ليتفق مع صحيح الدستور، وهم على حق من وجهة نظرى، وبحاجة إلى تعليماتكم الحاسمة لجهاز الشرطة أن يبذل جهداً أكبر بكثير فى التحرى بدلاً من الاستسهال وحشرهم جميعاً فى خانة المخربين والداعين للعنف.
هؤلاء الشباب بحاجة إلى الإفراج الفورى عن زملائهم المقبوض عليهم على ذمة قضايا مخالفة قانون التظاهر وحزمة من الاتهامات المجهزة والمعلبة سلفاً والتى تلقَى عليهم بلا دليل غير تحريات الشرطة التى تحصر وتضطر النيابة إلى اتخاذ قرارات الحبس الاحتياطى.
هؤلاء الشباب يطالبون بالإفراج الفورى عن رموز ثورة يناير المحبوسين على ذمة قضايا التظاهر، ومحاكمة من تورط منهم فى قضايا التحريض على العنف أو التخابر أو العمالة أو تلقى الأموال غير المشروعة من دول أجنبية، حتى نفض هذا الاشتباك الحادث والالتباس فى موقف رموز ثورة يناير وننقى ثوبها الطاهر ممن يثبت عليه أى من هذه الاتهامات، بدلاً من التلسين والردح والمكالمات المسجلة المذاعة على الفضائيات فى انتهاك واضح للقانون والدستور. حاكموهم بتهمهم الحقيقية إن كانت هناك تهم (خلينا نخلص ونبص لقدام).
هؤلاء الشباب بحاجة إلى هذه الإجراءات وهى فى يدكم فلا تترددوا فى اتخاذها ولا تستمعوا للناصحين الذين يرددون دائماً أن هؤلاء الشباب (عايزين قطم رقبتهم).
القضية الثالثة الفقراء
أعرف مدى انحيازك للفقراء والمهمشين من ملح الأرض الذين تعاقبت عليهم السنوات لتزيد فقرهم وشقاءهم ومعاناتهم، إن صبرهم طوال هذه السنين يضرب به الأمثال، حتى تندّر عليهم وسخر منهم البعض واتهمهم بالبلادة والانسحاق، حتى جاءت ثورة 25 يناير وكانوا هم الملايين التى حسمت الأمر بصمودها فى الميادين، ونعرف جميعاً ما واكب الثورة من تداعيات تمثلت فى غياب الدولة والأمن، وضربوا لنا مثلاً فى النبل والنبالة والشرف وعدم استغلال الظرف، فحافظوا على الدولة ومقدراتها، بل حافظوا على ثروات الأغنياء برغم بعض الأصوات التى همست فى آذانهم فلتنهبوها كما نهبها الكبار.
ولكنهم تعالوا على حوجهم وعوزهم ولم يفعلوا، وصار يحدوهم الأمل فى أن اليوم الذى سينصفهم بات وشيكاً، وتأخر اليوم كثيراً عليهم، ومع ذلك خرجوا بعشرات الملايين للميادين فى 30 يونيو، ومن لم يستطع خرج فى شوارع قريته أو الحى الذى يسكن فيه حتى امتلأت الشوارع فى كل القرى والنجوع والكفور والأحياء البعيدة عن الميادين، وقد شرفت بأن صورت وشاهدت هذه المشاهد التى لم تظهر للنور بعد واكتفوا بصور الجماهير الحاشدة فى الميادين الرئيسية وعواصم المحافظات، ويوم أن تعرض هذه المشاهد التى أجدها كسينمائى أروع من مشاهد الملايين فى الميادين سيتأكد القاصى والدانى أننا كنا نقول جزءًا من الحقيقة عندما قُلنا إن 30 مليوناً قد خرجوا ثورة على الإخوان.. وانتظر الفقراء بعد نجاح ثورة 30 يونيو أن يجىء يوم الإنصاف ويذوقوا ثمار صبرهم وثورتهم، وتأخر اليوم وأكملت الدولة وقوعها فى بئر سحيقة من الارتباك، ومع ذلك تحمَّلوا وانتظروا انتخابك رئيساً للبلاد، وكان اختيارهم لك جلياً، ولنراجع نتائج انتخابات الرئاسة لنجد الإقبال فى المناطق الريفية المعدومة والعشوائية والشعبية ضعف الإقبال فى المناطق الأقل فقراً، وأجزم أن فقراء مصر إن لم يخرجوا بهذه الكثافة ما كان حضر أكثر من عشرة ملايين ناخب، وكنا قد أعطينا المتآمرين على مصر الدليل الدامغ على أن ما حدث كان انقلاباً وليس ثورة.
هؤلاء الفقراء يشعرون أنهم كانوا على موعد مع القدر يوم أن حميتهم من بطش الإخوان حين ثاروا على نظامهم، وأعطوك ثقتهم المطلقة، وحين انتخبوك كانت قلوبهم تحدثهم بأنك القادر على انتشالهم من فقرهم وعوزهم، والعازم على رد المظالم، وحتى هذه اللحظة تملأهم طاقات الأمل فى مستقبل أفضل، برغم أن أجهزة الدولة من يوم أن أتيت (مابتتشطرش إلا على الغلابة) فالمخالفات الإدارية البسيطة والتى تتراوح الغرامات فيها ما بين خمسة جنيهات ومائة جنيه نجد (بوكس الحكومة) هكذا يسمونه فى الفلاحين والأحياء الفقيرة (رايح جاى محمّل) خليطاً من أطيب القلوب وأغلب الناس مقبوض عليهم مثلهم مثل المجرمين عشان عليه أو عليها غرامة، بينما نجد أن الدولة تتساهل وتخفض غرامة أحمد عز من مائة مليون إلى عشرة ملايين جنيه، علماً بأن هذا التخفيض كفيل بتعويض الدولة عن كل الغرامات المفروضة على فقراء الوطن كله بما فيها مخالفات مزارعى الأرز الموجود نصفهم الآن فى السجون عاجزين عن دفع الألف جنيه المغرمين به ظلماً وبهتاناً والذى يجب أن يحاسب بدلاً عنهم هم المسئولون عن السياسات الزراعية الفاشلة عبر ثلاثين عاماً جعلت من قيراط الأرض بعد أن كان سترة للفلاح أصبح وبالاً وخراباً عليه، فالمحاصيل لا تباع إلا بأسعار بخسة لا تساوى العرق الذى تساقط من جبهته وهو يفلحها، ولا تفى حتى بما صرفه الفلاح عليها من أسمدة وأصبحت «أسعارها نار» ويشتريها من «السوق السودة بالغلا والكوا» فى ظل أكثر من مادة فى دستورنا تنص على إلزام الدولة بتوفير المستلزمات الزراعية، وكذا إلزامها بشراء المحاصيل الزراعية بثمن يحقق للفلاح هامش ربح.
سيادة الرئيس.. لو حدثتك عن حال الفلاح أو العامل أو الفقير بشكل عام فى بلدنا لن تكفينى مجلدات.. إن النظام لم يكفه ما عاناه الفقير طوال أكثر من 30 سنة فيزيد معاناته تحت دعوى فرض هيبة الدولة (هى الهيبة دى مابتظهرش إلا على الغلبان) هل قالوا لك كيف تحولت شركتا الكهرباء والمياه إلى هيئات جباية تقطم ضهر الغلابة، هل حققوا ما قالوه لك ولنا أن هناك شرائح للفواتير تراعى محدودى الدخل، هل قالوا لك ماذا صنع غلاء أسعار البنزين والسولار بالفقراء؟
سيادة الرئيس.. هذا هو حال فقراء مصر وحتى هذه اللحظة لم تتحسن أحوالهم، بل زادت ضنكاً، إنهم يبحثون عن ظل قرار يصب فى صالحهم مباشرة ويستهدف إنقاذهم، محققاً لهم العدالة الاجتماعية ودولة تكافؤ الفرص، وما زالت الواسطة والمحسوبية هى سيدة الموقف، وما زال الفساد الإدارى والمؤسسى كما هو.
أعرف أن المشوار طويل وأن المشروعات التى بدأتها لن تظهر ثمارها فوراً، ولكن جل المطلوب نظرة من العين الطيبة للغلابة، ونظرة من «العين الحمرا» للفاسدين، ونظرة تحذير للشرفاء من الأغنياء بأن عليهم مسئولية اجتماعية ودوراً تجاه الفقراء، وليتذكروا أن ثرواتهم وإن كانت حلالاً فإنها قد ازدادت أثناء ازدياد أعداد الفقراء.
فى النهاية سيدى الرئيس.. أعلم أنك تبذل أقصى ما تستطيع وسط ظروف فى غاية الصعوبة وتركة ثقيلة ومؤامرة تحاك وحرب تدار ضد مصر كى لا تنهض، ولكنها ستنهض بفضل كل الجهود المخلصة لأبنائها، وبإذن الذى حماها وكرّمها فى قرآنه وإنجيله.