السبت 30-05-2015 20:17
هالنى ما صرح به بعض قادة الأحزاب بأن الرئيس أعرب لهم عن استعداده لدعم قائمة موحدة في الانتخابات البرلمانية في حال اتفاقهم.
وأتساءل: هل من مهام الرئيس دعم قائمة موحدة للانتخابات؟
ألا يعد ذلك تدخلا من رأس السلطة التنفيذية في العملية الانتخابية والتأثير في نتائجها، فتصبح بعد ذلك عرضة للتشكيك والطعن؟
ألا يضع ذلك علامات استفهام حول مدى جدية الدولة في إجراء عملية تحول ديمقراطى حقيقية؟
ألا يخل ذلك بواجبات الرئيس التي أقرها دستور البلاد بضمان نزاهة الانتخابات دون تدخل ودون تأثير على إرادة الناخبين؟
ففى بلاد العالم الثالث تستقطب الدولة أكثر من عشرين بالمائة من أصوات الناخبين الذين تعودوا أن يمشوا في ركاب الدولة أياً كانت توجهاتها.
وفى حالة كحالتنا تلك التي يمتلك فيها الرئيس شعبية كبيرة يصبح التأثير على الناخبين كاسحا، فتصير القائمة التي دعمها الرئيس في حكم المعينين بقرار جمهورى.
عن أي انتخابات إذن نتحدث؟ وعن أي عملية تحول ديمقراطى نعد بها الشعب؟
وقد هالنى بالفعل هذا التصريح، رغم أنى أعرف مبعثه ودواعيه… فقد تم التصريح به تحت إلحاح من معظم هذه الأحزاب بأن تحظى بدعم الرئيس، بالإضافة إلى رغبته في تبرئة ساحته، بعدما زُج باسمه وصورته للترويج لإحدى القوائم، بدعوى أنها قائمة الرئيس.. فأراد أن يثبت أنه على مسافة واحدة من الجميع، بل يريد لهذه القوى والأحزاب أن تتوحد بديلا عن التشرذم، في وقت ما أحوجنا فيه إلى الوحدة والتوحد، ولكن عفوا سيادة الرئيس، إن الوحدة التي تنشدها مطلوبة بشدة في القضايا الوطنية التي تتطلب احتشادا مثل حربنا على الإرهاب أو الفقر أو الفساد، أو سعينا نحو التنمية.
أما في الانتخابات فلا مجال للتوحد، الانتخابات لا تعنى سوى المنافسة على إقناع الناس بالبرامج والرؤى المختلفة للأحزاب، وقد تصل هذه المنافسة إلى الصراع، لكنه صراع صحى يخلق الحيوية السياسية اللازمة لأى عملية تحول ديمقراطى.. وإننى أَدَّعِى أن مثل هذا التدخل من الرئيس بالدعم هو ما سيخرب هذا التحول ويخلق مزيدا من الأحزاب الكرتونية المعتمدة كليا على السلطة.
ثم ما علاقة الأحزاب بالقوائم؟ إن القوائم- بنص الدستور وحسب قانون الانتخابات- ليست قوائم حزبية، ولكنها قوائم لفئات اجتماعية استشعر المشرع الدستورى أنها فئات قد هُمِّشَت زمنا طويلا، وهى الأكثر استضعافا بين فئات المجتمع، فأراد أن يضمن لها بعض التمثيل.. إذن ما دخل الأحزاب بهذه القوائم؟ ما أعرفه أن الأحزاب يجب أن تتنافس على المقاعد الفردية، ولديها ما يقرب من أربعمائة وخمسين مقعدا.. ألدينا الحزب القادر على المنافسة على كل تلك المقاعد، ولديه من موفور القوة ما يؤهله لمحاولة السيطرة على البقية الباقية من المقاعد.. أم هو الاستسهال والكسل، بل الفشل في المنافسة وعدم الثقة في الحصول على المقاعد، هو الذي جعلهم يهرولون للمعركة الأسهل علهم يحصلون بالمصادفة على بعض المقاعد للعاجزين لديهم عن خوض غمار المعارك الانتخابية ويختفون وراء القوائم، حتى إذا فشلوا لا يظهر عجزهم جليا، ويرمى الحزب فشله على المرشحين الذين لم يتحركوا لاستقطاب الجماهير، ويرمى المرشحون فشلهم على الحزب الذي لم يوفر لهم الإمكانيات اللازمة.. وإذا نجحوا يباهون بأن حزبهم بمجرد أن وضع شعاره على القائمة حتى هرعت الجماهير لانتخابه، ويحاول كل مرشح أن ينسب نجاح القائمة لنفسه دون الآخرين من المرشحين أو الحزب؟
إن الأحزاب تثبت لنا أنها أضعف من أن تخوض الانتخابات دون مساعدة من الدولة وتخصيص كوتة لها لتستطيع دخول البرلمان.
وإذا كانت كذلك فعن أي شعبية في الشارع يتحدثون؟ عن أي قوة في الشارع يتباهون؟
بأى منطق يحاولون الحصول على الغنيمة الأكبر من القوائم، بدعوى أنهم الأكثر قوة وشعبية في الشارع؟ بأى أرضية يجلسون على مائدة التفاوض؟
بأى وجه يتحدثون في الفضائيات والصحف؟
أي خطط يعدون بتحقيقها للغلابة والوطن حال فوزهم، وأى أغلبية برلمانية تُمَكِّنهم من تشكيل الحكومة وهم يبحثون عن دعم ومساعدة ليتمكنوا من خوض الانتخابات؟
المؤسف أن الأحزاب لم تجهد نفسها في دراسة مشروع لقوانين الانتخابات، ولم تتعب كثيرا كى توحد رؤيتها لهذه القوانين بقدر ما بحثت وأضنت نفسها سعيا ولهاثا للاقتراب والتزلف قربى للنظام ورئيسه كى يحظوا بدعمه.. كنا نتمنى أن نراهم متفقين على مشروع واحد لهذه القوانين ويصروا عليه ويمارسوا كافة الضغوط لتمريره، باعتبارهم أدرى الناس بكيفية تقوية الحركة الحزبية وبث الحيوية في الحياة السياسية، وبحسبانهم الممثلين لكافة الاتجاهات الفكرية ويعبرون عن مصالح كل القوى المجتمعية.
كنا نتمنى عندما أُقر القانون، رغما عنهم ومغايرا لرؤيتهم، ثم تأجلت الانتخابات أكثر من مرة، أن يقيموا الدنيا ويقعدوها ويهددوا بالمقاطعة الجماعية، وهى سلاح بتار، ولكنهم بدلا من ذلك راح معظمهم يلهث للاقتراب من النظام الجديد ورأسه ورجاله الأقوياء والبحث بدأب عن علاقات متميزة معهم، وبدأوا الصراع والتنافس على القرب من السلطة بدلا من التنافس على التواجد وسط الجماهير والالتحام بهم وشرح برامجهم ورؤاهم والبحث عن ثقتهم!
أتمنى من السيد الرئيس أن يرفع يده ويغض الطرف عن توسلات الأحزاب بأن يجد لها مكانا تحت القبة، لأنها لا تستطيع المنافسة في الشارع.
أتمنى ألا نسمع بعد اليوم عن قائمة تدَّعِى أنها قائمة الرئيس، فالحزب الذي لا يستطيع المنافسة في الانتخابات يجب علينا- إكراما له- دفنه..
عفوا سيدى الرئيس.. فدورك ليس العمل على قائمة موحدة للأحزاب، وإنما التعهد بانتخابات نزيهة وشفافة ترفع فيها الدولة يدها عن دعم هذا أو محاربة ذاك.. دورك سيادة الرئيس هو العمل على تهيئة أجواء من الحرية وضمان ظروف مواتية لممارسة ديمقراطية، ليتنافس المتنافسون على ثقة الشعب، ويقتنع الشعب دون مؤثرات ببرامج ورؤى هذا الحزب أو ذاك.
عفوا، السادة قادة الأحزاب، إن الحزب الذي لا يستطيع المنافسة في الانتخابات يجب علينا- إكراما له- دفنه.