الإثنين 01-12-2014 21:56
سيدى المستشار النائب العام.. هذا بلاغ لك من مواطن كان فى وسط الأحداث فى ميدان التحرير وكان طرفاً فى الاعتداء على أحد أقسام الشرطة التى هوجمت فى ليل يوم 28 يناير.
أما عن ميدان التحرير فلتقرأ هذه الواقعة كما شاهدتها وعايشتها بكل حواسى وجوارحى.
مازلت أحتفظ بقفاز يدوى (بفردة جوانتى) لأحد شهداء ثورة 25 يناير كى لا أنساهم ولا أنسى دمهم الطاهر، فآفة حارتنا النسيان، كما قال نجيب محفوظ.. كان هذا الشهيد بجانبى على كوبرى قصر النيل وكان مفعماً بحماس وجسارة الشباب بالإضافة لجسم ممشوق ينبئ بممارسته لإحدى الرياضات، ووجه لو كنت صادفته فى غير هذا المحل لاقترحت عليه أن يكون بطلاً سينمائياً من شدة وسامته، كان للياقة البدنية الهائلة لهذا الشاب فضل كبير فى التخفيف عنا من سيل القنابل المسيلة للدموع المنهمرة على رؤوسنا فكان يلحق بالقنبلة بمجرد ارتطامها بالأرض وأحياناً قبل ارتطامها بالأرض طائراً مثل حارس المرمى فى رياضة كرة القدم ويمسكها بيده المحتمية من سخونة القنبلة بقفاز من الجلد البنى ويسارع برميها فى النيل والمدهش أنه كان يأبى أن يردها على قاذفيها من رجال الشرطة كما كان يفعل بعض الشباب، أشفقت على جهده وأحببت أن أساعده فطلبت منه أن يعيرنى فردة الجوانتى اليسرى عندما لاحظت أنه يستخدم يده اليمنى فقط فى التقاط القنابل، ابتسم فى وجهى وخلعها وأعطاها لى وانهمك مرة أخرى فى مهمته وكانت ابتسامته الرائقة لسان حالها يقول: هل ستستطيع أن تفعل ما أفعله؟ وحاولت على مدار نصف ساعة أن أقلده فلم أنجح إلا فى اصطياد قنبلة واحدة وقمت مثله برميها فى النيل بمعاناة شديدة، أثناءها نجح هو فى اصطياد عشرات القنابل وفى حالة الكر والفر غاب عن عينى لدقائق ليست كثيرة، وانهمرت علينا القنابل فتقهقرنا للخلف هرباً من الدخان الذى أشعل النار فى عيوننا وأنوفنا، وإذا بى أرى شاباً مضرجاً بدمائه يحمله بعض الشباب ويجرون به للخلف فى محاولة لإنقاذه، وفوجئت أنه هو الشاب ذو القفاز البنى، أسرعت وراءه، استوقفت من يحملونه بنبرة آمرة جعلتهم يعتقدون أنه قريبى، لأرى أثر ضربة فى رأسه يبدو أنها من أثر عصى الأمن المركزى الغليظة، قد أحدثت جرحاً غائراً بطول الرأس، ولكننى لاحظت أيضاً ثقوباً فى قميصه مليئة بالدماء فمزقت قميصه ليس لأكتشف حجم إصابته فقط ولكن بجانب ذلك كنت أريد أن أتأكد هل هناك رصاص حى يُضرَب، فاتضح لى أنها طلقات الخرطوش المبدورة فى جسده، ولكن يبدو أنها من مسافة قريبة، وأكمل الشباب طريقهم لإسعافه وسرعان ما فارق حياتنا تاركاً فى رقابنا دمه والقصاص له.
سيدى المستشار.. هذه الواقعة ترد بحسم على الذين يريدون أن يفروا من العقاب ويلصقوا التهمة كاملة على قناصة الإخوان التى اعتلت الأسطح، وهذه رواية لم يؤكدها حتى الآن تحقيق رسمى أو حكم قضائى وإن كنت أميل إلى تصديقها لخبرتى بما يمكن أن يصنعه هذا التنظيم الإرهابى الذى جُبل على الدم والعنف، ولكن ليس كل الشهداء من ماتوا برصاص قناصة، منهم من مات دهساً تحت عجلات آليات شرطية أمام أعيننا وصورتها كاميرات الفضائيات المختلفة، ومنهم من فقد عينيه من طلقات خرطوش جاءت من بندقيات الشرطة أمامنا، وأيضاً تم تصويرها.. ومنهم.. ومنهم.
سيدى المستشار.. ليست أسر الشهداء والمصابين فقط من ينتظرون الإعلان عن القتلة.. من حق الشعب المصرى أن يعرف ويضع يده على الحقيقة كلها، ومن حقنا أن نطالب بالقصاص العادل لهم، ليس ممن دهس أو أطلق الخرطوش والرصاص، أو شج الرؤوس بالعصى الغليظة، ولكن إلى جانب هؤلاء من الذين حوّلوا دور الشرطة من حامية للشعب إلى قاهرة له ووضعوها فى مواجهته وفرضوا علينا جميعاً أن ينهزم أحد الفريقين، إن صح أن نسميهم فريقين.
سيدى المستشار.. لا نطلب منك فقط أن تطعن على حكم البراءة إن وجدت به عواراً، ولكننا نحمّلك المسئولية أمام الله والتاريخ باعتبارك نائباً عاماً مأموراً باسم الشعب أن تبحث عن حقوقه وتقدم من أجرم فى حقه للعدالة، أن تأمر وتكلف المؤسسات والأجهزة المعنية بالبحث عن قاتلى الشهداء ومن وراءهم، ومن تسبب فى طمس أدلة الاتهام فى الكثير من قضايا قتل الشهداء وتقدمهم للمحاكمات وتحقق فى سبب إصدار النيابة العامة لأمر مفاده كما قال المستشار الرشيدى بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد مبارك ورجاله، وهو السبب الذى استندت إليه المحكمة فى البراءة.
وكذا تحقق فى سبب تأخر النيابة العامة فى الطعن على الحكم فى موقعة الجمل وفوتت علينا الفترة التى حددها القانون للطعن على الحكم وأصبح الحكم نهائياً غير قابل للطعن، فهل هناك تعمد من النائب العام السابق المستشار طلعت عبدالله لإفلات المتهمين من العقاب، وما صحة ما تردد عن صفقة بين نظام الإخوان والمتهمين من رموز نظام مبارك لإغلاق القضية لمشاركة الطرفين فيها؟
وكذا نطلب منكم أن تحققوا فيما يتردد عن تقاعس أجهزة الدولة وقالوا من بينها النيابة العامة فى إرسال أوراق اتهام مبارك ورجال نظامه للاتحاد الأوروبى للحجز على أرصدتهم وقت أن كانت الدول الأوروبية شديدة الحماس لهذه القضية.
عذراً سيدى المستشار.. فأنا أعرف أن ما أطالب به فى بلاغى يتفق مع حقوقى التى حددها لى القانون كمواطن له مصلحة فى وطنه ورغبة فى إقامة دولة العدالة.
أما واقعة التعدى على الأقسام حين استغلت جماعة الإخوان الإرهابية ما حدث يوم 28 يناير وهجمت على أقسام الشرطة بمعاونة بعض المجرمين وأحرقوا وقتلوا، فقد كان شقيقى من هؤلاء الضباط الذين تم الاعتداء عليهم فى أحد أقسام الشرطة وظللنا ليلة 28 يناير نحتسبه شهيداً بعد إبلاغى من مدير أمن محافظته أنهم فشلوا فى إرسال أى تعزيزات له وأنه محاصر وتم إحراق كامل القسم بمن فيه ولكن العناية الإلهية أنقذته عندما هب الأهالى بعد صلاة الفجر وهاجموا المعتدين وتمكنوا من التغلب عليهم وسقط أكثر من قتيل فى هذه المعركة، أحدهم من الأهالى الذين دافعوا بجسارة عن القسم وضباطه وجنوده، وآخر كان من المجرمين المعتدين وكان يحمل سلاحاً نارياً قام باستخدامه ضد ضباط وأفراد القسم وضد الأهالى الذين حرروا القسم من قبضتهم وجميعهم احتُسبوا شهداء.
وعلمت مؤخراً أنهم قد حصلوا على التعويضات المخصصة للشهداء.
سيدى المستشار.. هذه الواقعة تؤكد أن ليس من يطلق عليهم شهداء الثورة أو مصابيها هم بالفعل كذلك وكل ما أتمناه أن تفتح تحقيقاً شاملاً تضع فيه الأمور فى نصابها وتفرق بين الذى قُتل أو أصيب هل كان مجرماً أم شهيداً، فتسقط دعاوى الذين ما إن نتحدث عن الشهداء حتى يسارعوا بالقول إنهم البلطجية والإخوان الذين اقتحموا الأقسام.
إن هذا المواطن الذى قُتل دفاعاً عن القسم حاول الإخوان الإرهابيون إقناع أهله أن الرصاصة القاتلة قد أطلقت من سطح القسم المرابض عليه ضباط وجنود الشرطة ولولا شهادة الكثير من شهود العيان لكانوا قد اقتنعوا بأكاذيب الإخوان وكم من مئات الوقائع المماثلة التى لم يفتح فيها تحقيق جدى حتى الآن وتتم فيها المكاشفة والمحاسبة.
وذلك الشاب ذو القفاز البنى وأمثاله من مئات الشهداء ما زالت أرواحهم هائمة تطلب القصاص، أما مئات الآلاف من الشباب المصرى الطاهر الذى خرج مطالباً بدولة العدالة والعيش الكريم والحرية، فلم يجنِ حتى هذه اللحظة شيئاً، فمنهم من قضى نحبه كما أسلفنا ومنهم من ينتظر وراء أسوار السجون، ومن نجده محسوراً محشوراً محصوراً بين قطاعات من الشعب المصرى تتهمه بالتآمر وبأنه «ودّانا فى داهية لولا ستر ربنا».
بماذا يشعر هؤلاء الشباب اليوم بعد أن وجدوا كل الذين ثاروا ضدهم وضد فسادهم أحراراً طلقاء، بل وعلى صدورهم وسام من قضائنا العادل بأنهم أبرياء من سفك أو مص دماء شعبنا؟ هل مطلوب منهم اليوم التسليم بأنهم أخطأوا فى حق هؤلاء وبأنهم حين خرجوا لتحرير مصر من دولة الفساد والظلم والقهر فى 25 يناير كانوا هم الظالمين «وهما اللى اتبطّروا على النعمة اللى كانوا عايشين فيها والرغد والهنا اللى كان الشعب بيتمرمغ فيه» وكيف نقنعهم بذلك وقد انضم إليهم عشرات الملايين من الشعب المصرى، مؤكدين على كل مطالبهم فخورين بهم؟.. هل مطلوب الآن من هؤلاء أن يعتذروا عما صنعوه ويعربوا عن ندمهم؟ وإذا فعلوا ذلك ماذا سيقولون لأهالى الشهداء والسجناء، كيف سينظرون فى عيون المصابين إن كانت ما زالت فى مكانها تؤدى مهمتها فى النظر.