نوران سلام – بي بي سي عربي – لندن – 12 مارس/ آذار 2019
كنتُ هناك في مصر في ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وشهدتُ بنفسي التظاهرات التي بدأت قبل ذلك اليوم بكثير. وكنتُ على الهواء طيلة ٣ يوليو ٢٠١٣ – يوم عزل الرئيس السابق مرسي- بل وحتى الساعات الأولى من ٤ يوليو.
رأيتُ المتظاهرين على امتداد النظر من نوافذ الاستوديو في منطقة كوبري الجلاء، وأحتفظ حتى الآن على هاتفي بالصور، منها واحدة التقطتُها لراهبتين تهديان وروداً لجنود على دبابة. كل هذا رصدتُه ورصدَه كثيرون غيري. ولكن…
أن تشهد حدثاً كهذا بنفسك وبحواسك البشرية العادية أمر، وأن تطالع عبر قنوات التلفزيون لقطات مبهرة لحد كتم الأنفاس صُورت من طائرات تحلق فوق أمواج البشر الصاخبة أمر مختلف تماماً. هنا يأخذ الحدث حجمه، وتدرك أن الطوفان الجماهيري هذا قد انطلق ولن يقف في طريقه أحد.
قيل لنا عندها: هذه اللقطات من إخراج أحد أفضل مخرجي السينما في مصر والعالم العربي. عندما نتحدث عن خالد يوسف نتحدث عن “هي فوضى”، عن “حين ميسرة”، عن “دكان شحاتة”، نتحدث عن يوسف شاهين.
صحيح أنه في السياسة لا يبقى شيء على حاله، وصحيح أن مصر تحديداً قدمت لنا الشيء وعكسه ثلاث أو أربع مرات في السنين الأخيرة، لكن، هل ممكن أن يصبح “مُخرج تظاهرات ٣٠ يونيو” مستهدفاً من نظام ٣٠ يونيو؟
هذا جوهرُ الإشكالية في ما يريد منا خالد يوسف تصديقه: فهو يقول إن بلاغات الشرائط الجنسية التي يُزعَم أنها تضمه مع فنانات مصريات ما هي إلا عقاب سياسي على رفضه للتعديلات الدستورية التي قد تُبقي الرئيسَ المصري عبد الفتاح السيسي في منصبه لسنوات وسنوات.
هناك من سيرفض الربط بين الأمرين، وسيرى فيه محاولة مكشوفة من يوسف للهروب من محنة قانونية وأخلاقية ليست بسيطة.
وهناك من سيعتبر الارتباط منطقياً، بل وبديهياً. الأمر يتوقف على أين يقف كل منا.
لكن المفارقة أن هناك من سيعتبرها “كارما” – وهو اسم أحدث أفلام خالد يوسف، والكلمة تعكس مفهوما يشبه “الجزاء الوفاق”.
عندما استضفنا خالد يوسف في برنامجنا الشهير تريندينغ تلقينا نصحاً مكثفاً من الدائرة القانونية لبي بي سي، فالموضوع مفخخ بألغام قانونية لا حصر لها، وهناك أطراف أخرى غيره معنية، كما أن هناك حظر نشر في مصر – الدولة التي حدث فيها كل شيء والتي يمثل الضيفُ شعبَها في البرلمان، فضلاً عن عامل جوهري يتمثل في أنه لم توجه حتى اللحظة أي اتهامات رسمية للرجل.
هذه المرة مررنا بالإجراءات ذاتها، فطلبنا المشورة من الفريق القانوني وتدارس الفريق التحريري ما يمكن أو لا يمكن أن يقال.
من وقت تسريب الشرائط التي يقال إن يوسف ضالع فيها صدرت مواقف كثيرة مرتبطة بالتعديلات الدستورية المزمعة في مصر، وكان جيداً مثلاً أن أسأله عن رأيه من موقفيّ النائب يوسف القعيد والنائب هيثم الحريري. هما زميلاه في كتلة ٢٥-٣٠ لكنهما ينظران للمشهد بعيون أخرى. أين ذهب تماسك هذه الكتلة الذي بَدا عصياً على التشرذم في مسألة لم يمضِ عليها وقت طويل هي قضية تيران وصنافير؟
كما يتحدث في الحوار أيضاً عن موقف الوسط الفني منه، مؤكداً أن فناني مصر يتضامنون معه… ولكن في الخفاء.
حلقة كنا ندرك جيداً قبل تسجيلها كم ستثير من جدل، لكن بعد ثوانٍ من بداية الحوار بدا لي أن خالد يوسف قرر المضي قدماً في التعبير عن معارضة النظام إلى النهاية. فترى ما شكل تلك النهاية؟
أذيع الحوار في بلا قيود على شاشة بي بي سي يوم الأحد ١٠ مارس ٢٠١٩، وسيعاد مراراً على مدار الأسبوع.