كرم مهرجان الفحيص السابع والعشرون الأردن تاريخ وحضارة, المخرج والنائب خالد يوسف عقب إلقاء محاضرته عن ” الواقع العربي إلى أين؟”, ويعد مهرجان الفحيص واحدا من أعرق المهرجانات الثقافية العربية , وأقيم في الفترة من 2 إلى 10 أغسطس تحت رعاية صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني.
الخميس 09-08-2018 – 00:00 ص
يؤمن المخرج المصري، “خالد يوسف”، أن الفن سلاح قادر على هدم الصورة السلبية للواقع، فطوعه في صالح قضيته التي يحارب من أجلها وهي “العدالة الاجتماعية”.
رفض “خالد يوسف”، المهموم بقضايا مجتمعه، أن يقبع في صومعته فترك الفن بأضوائه القريبة والبعيدة، وإتجه لعالم السياسة بكل ما يحمله من تعقيدات لخدمة المواطنين وأهل دائرته.
حب الوطن هو الذي يحدد بوصلته.. فكان هو السبب وراء مشاركاته السياسية؛ على الرغم من المكاسب التي كان من الممكن أن يجنيها من خلال عمله في الإخراج السينمائي، وهو الذي أعاده أيضًا إلى مضماره الأول، “الفن”، مجددًا بعد غياب 8 سنوات قضاياه داخل أروقة البرلمان، وذلك بعد أن تأكد أن دور الفن أقوى من السياسة.
داخل مكتبه القاطن بمدينة المهندسين.. كان لـ (كتابات)، لقاء مع المخرج، “خالد يوسف”، ليحدثنا عن تفاصيل فيلمه الجديد (كارما)؛ والأزمة التي تعرض لها الفيلم قبيل عرضه بساعات، رغم عدم تخطيه النص، وعدم تطرقه لأي جانب سياسي واجتماعي من الممكن أن يثير فتنة طائفية.. وإلى نص الحوار…
(كتابات) : لماذا منعت “الرقابة على المصنفات الفنية” عرض فيلم (كارما) رغم غياب المشاهد الفجة.. ولماذا لم تبدي اعتراضها أثناء عرض السيناريو من البداية ؟
في الحقيقة الواقعة غامضة.. الغريب في الأمر أن الرقابة لم توافق على السيناريو فقط؛ بل وافقت على تصوير الفيلم ومنحتني رخصة التصوير وتصريح العرض، وقبل العرض بـ 24 ساعة تلقيت اتصال من الدكتور “خالد عبدالجليل”، رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، مفاده أنه تلقى أوامر عليا، تقضي بسحب تراخيص الفيلم دون إبداء أي أسباب، وعندما سألته عن الأسباب وكيفية التكيف القانوني في تلك الحالة، كان رده بسيط: “هنسحب الترخيص لمخالفة شروط الترخيص”، وعندما سألته عن الشروط التي خالفتها، فأجابني نصًا: “مش عارف”، تعاملت معه بهدوء وطلبت منه إرسال القرار مكتوب ومختوم من الرقابة لإلغائه في “القضاء الإداري، لأنه لم يلتزم بتنفيذ القانون، فلجأت إلى جهات سيادية في الدولة، ونجحت في الحصول على حق عرض الفيلم دون أي حذف.
(كتابات) : كثرت الأقاويل والشائعات بشأن قرار الرقابة بمنع الفيلم، فهناك من يرى أنه أمر مُدبر لإسقاطك.. وأخرى يرى أنها تمثيلية لعمل دعاية للفيلم ؟
كل ما تردد وقيل في هذا الصدد عبث، أعتقد أن رئيس الرقابة تلقى تعليمات بمنع عرض الفيلم؛ ولا أعرف من المسؤول عن ذلك، وليس من المعقول أن تقوم أجهزة الدولة بعمل تمثيلية من أجل الدعاية للفيلم، لذلك إلتزمت بالهدوء لأن الحق معي، ولثقتي في الحصول على حكم يلغي القرار، فأتجهت لـ”ناصر أمين”، المحامي، الذي بدأ في كتابة عريضة الدعوى، وأتجهت للمؤسسات السيادية في الدولة؛ وقمنا ببحث الموضوع وقمت بعرض الفيلم عليهم، وحينما شاهدوا الفيلم وجدوه مقبول ولا يوجد ما يمنع عرضه.
(كتابات) : وبما تفسر موقف “د. خالد عبدالجليل” ؟
“خالد” شخص مثقف فنيًا، يعي قيمة الفن، وخير دليل على قولي أنه وافق على عرض الفيلم وعلى السيناريو من البداية دون إبداء أي ملاحظات، أعتقد أن قرار السحب جاء من أحد المسؤولين ذو سلطة أعلى من “رئيس الرقابة على المصنفات الفنية”.
(كتابات) : هل ترى موقف “وزارة الثقافة” وتدخلها لعرض الفيلم جاء من باب الحفاظ على حرية الإبداع، أم أنها كانت على ثقة بأن القانون معك ؟
لا أعلم هل أقتنعت “وزارة الثقافة” بالفيلم أم أنها على علم بأن القرار سيسقط بقوة القانون، ولكن في النهاية نحن دولة قضاء، وأتصور أنهم لم يروا في الفيلم أي شيء يمنع عرضه، فالفيلم مع الدين الصحيح دون مبالغة أو تطرف.
(كتابات) : في ظل التطور التكنولوجي الهائل وعصر “السوشال ميديا”.. هل السينما مازالت في حاجة إلى رقابة ؟
في رأيي الرقابة ليس لها أي دور في الوقت الحالي، وهذا ما صرحت به مرارًا وتكرارًا أمام إحدى الجهات التي ساعدت في عرض الفيلم، على أفتراض أن الفيلم يحتوي على ما يفجر أزمة في المجتمع، هل قرار منع الفيلم سيمنع الأزمة ؟.. سؤال يطرح نفسه، فإذا كان الفيلم سيشاهده 100 ألف، قرار المنع يزيد شغف وفضول الجمهور، وبالتالي سيحرص على مشاهدته أكثر من 40 مليون شخص على الإنترنت، نحن لسنا في زمن المصادرة في ظل وجود منافذ أخرى، هذا كلام أكل عليه الدهر وشرب، قرار المنع يزيد من خطورة الأمر.
(كتابات) : ولكن غياب الرقابة من الممكن أن يمنح فرصة لأفلام الإسفاف في الانتشار ؟
إذا كانت الرقابة ضمير المبدع ووعي الناس فالتجربة تصحح نفسها، أصحاب هذه النوعية من الأفلام إذا كانت قد نجحت في البداية في جذب الجمهور، حتمًا ستفشل في النهاية؛ فهو نجاح مؤقت وليس مستمر، الناس بتحب التجربة، ولكنها ستمل وتفتر عندما لا تجد جديد في تلك الأفلام، وبالتالي ستنصرف عنها، فضمير المبدع من وجهة نظري أهم كثيرًا من الرقابة كسلطة.
(كتابات) : لماذا أخترت “الغطاء الديني” في طرح قضية الفساد وإيضاح العلاقة بين الطبقة الغنية والمترفة في (كارما)؛ رغم علمك بأن هذا الخط تحديدًا من الممكن أن يحدث بلبلة ؟
لم استخدم “غطاء ديني”؛ ولكني تحدثت عن قضيتين أساسيتين.. الأولى هي الفقر والغنى، والأخرى التعصب الديني، لذلك استخدمت شخصيتين أحداهما “مسلم غني” والآخر “قبطي فقير”، من خلال شخص مزدوج الشخصية، حينما يتم تبديل الأدوار نكتشف الفوارق الطبقية في المجتمع، وقضية التعصب الديني.
(كتابات) : قيل البعض أن الفيلم غير مفهموم للعامة بسبب التراكيب الفنية المتداخلة، كما أن المشاهد دائمًا ما يجد صعوبة في تلقي “السينما النفسية” ؟
غير صحيح الفيلم بسيط.. ورسالته واضحة ومباشرة، لم يحمل أي تعقيدات ولم استخدم لغة سينمائية غامضة في طرح “قضية الفساد” و”التعصب الديني” و”الفوارق الطبقية” في المجتمع، ولكن الهدف هو حدوث نقاش بين الجمهور بعد مغادرة الفيلم؛ هل هو حلم أم حقيقة ؟.. وأرى أن ذلك مفيد يصب في صالح الفيلم.
(كتابات) : ما الرسالة التي تريد إيصالها للجمهور وللمسؤولين في الفيلم ؟
الرسالة يتلقاها كل شخص على حسب درجه ثقافته ووعيه، والتي ستختلف من شخص لآخر.
(كتابات) : كونت بالفعل ثنائي ناجح مع المؤلف “ناصر عبدالرحمن”.. لماذا استبدلته بـ”محمد رفيع” في (كارما) ؟
“محمد رفيع” شاب موهوب جدًا، وساعدني وشاركني في السيناريو والحوار، أما “ناصر” أنا بعتبره مبدع كبير، بالتأكيد كنت سأستعين به إن لم تكن لدي الفكرة ولم أبدأ في كتابتها.
(كتابات) : (كارما) نجح في إنتزاع الضحكات والدموع.. هل تعمدت المشاهد الكوميدية الكثيرة في الفيلم للتخفيف من جرعة الرسالة التي يحملها الفيلم ؟
أولاً الكوميديا لا تقلل من قيمة العمل الفني ولا تضعف محتواه، كما يراها البعض، لم أفتعل الكوميديا في العمل، ولكن المفارقة الخاصة بتبديل الشخصيات هي ما صنعت الكوميديا، وأداء “عمرو سعد” ساعد في خروج المشاهد الكوميدية بصورة جيدة.
(كتابات) : هناك من يرى أن الفيلم به إسقاطات على الواقع ونظام الدولة ؟
الفيلم لا يحمل إسقاطات سياسية، ولكن كل شخص سيفسر المشاهد بطريقته الخاصة وبناءً على ثقافته المكتسبة، وحسب طريقة إدراكه ووعيه.
(كتابات) : لماذا لجأت لـ”السينما النفسية” لطرح قضيتك ؟
ليس بالضرورة أن يكون المشاهد على دراية بعلم النفس لفهم الفيلم.. القضية بسيطة، وهي بحث الإنسان عن نفسه، “أدهم المصري”، رجل الأعمال الغني الذي يعيش في متاع الدنيا، يجد حياته ناقصة، فيلجأ لـ”كابوس الفقر” لإستعاضة الجانب المفقود في حياته، و”وطني مينا”، الفقير يحلم أن يكون غني، ويعتقد أن مشاكله جميعها تختزل في المال.. كل منهم يتوقع أنه سيعثر على نفسه حينما تتبدل الأدوار، والفيلم استطاع أن يصالح الشخصيتين مع أنفسهم، وأن يتقبلوا واقعهم.
(كتابات) : “أنتوا اللي حابين تعيشوا كده، أشتغلوا ونضفوا الشوارع”.. تلك الجملة التي قالها “عمرو سعد” داخل الفيلم، هل تريد أن تقول من خلالها أن الفقراء “كسالى” أم تحملهم مسؤولية الفقر ؟
قناعتي أن الفقراء يتصورون أن الأغنياء معظم ثروتهم جاءت من السرقة والنصب، والأغنياء يرون أن الفقراء كسالى ويستحقون الحياة التي يعيشونها، وبعد تبديل الشخصية يتبين أن الفقر يتحمله الأغنياء والحكومات، والفقير الذي دأب على اتهام الأغنياء بأنهم لصوص وحققوا ثرواتهم عن طريق الحرام يبدل رأيه.
(كتابات) : “الناس هي الدولة”.. جملة استوقفتني عندما شاهدت الفيلم ؟
لن أنسى جملة قالها “يوسف شاهين”: “كان بإمكاني أن أصبح شخص أميركي، ولكني فضلت أن أكون مصري؛ لأني أحببت الشعب المصري، لذلك أختصر الوطن داخل الناس”.
(كتابات) : الفيلم تحدث عن قانون الـ”كارما”، وهو مصطلح من “الديانة البوذية”.. هل ترى أن حياتنا تختزل في هذا القانون ؟
كما تدين تُدان”.. موجود في كل الأديان؛ فهو مبدأ إسلامي ومسيحي، والبوذية كانت أولى الأديان التي تحدثت عنه، الغرض منه أوضح أنه مثلما يوجد ثواب وعقاب في الآخرة يوجد أيضًا في الدنيا، والمسيح وسيدنا النبي تحدثوا عن هذا القانون، الثواب والعقاب ليس “جنة” و”نار” فقط، فالشقاء والسعادة في الدنيا ثواب وعقاب أيضًا، الإنسان سيجني نتاج أعماله سواء خير أو شر في الدنيا والآخرة.
(كتابات) : الفيلم يستند إلى قصة حقيقية أم وحي خيال “خالد يوسف” ؟
الفيلم يستند إلى قصة حقيقية، وصادفت موقف لأحد الأثرياء ثراءً فاحشًا.
(كتابات) : هل ترى أن “العشوائيات” أصابها الضرر بغيابك عنها وانشغالك بالسياسة ؟
حينما قررت العمل في المجال السياسي كان من أجل “العشوائيات” أيضًا، لم أتغيب عنها سواء كنت مخرج سينمائي أو رجل سياسي، الطبقات المهمشة على رأس أولوياتي.
(كتابات) : بحكم عملك في السياسة.. ما القضايا التي خرجت منها وتريد أن تسلط الضوء عليها كمخرج سينمائي وليس محلل سياسي ؟
قضية الإنسان وفكرة العدالة الاجتماعية هي ما تشغل بالي دائمًا، أنا مواطن في الآخر أريد أن أعيش في مجتمع ديمقراطي يحترم جميع الطبقات.
(كتابات) : قلت أن الفن أقوى من السياسة.. ربما يكون هذا سبب كافِ لترك عملك بالسياسة ؟
أنا مخرج سينمائي في الأول والآخر، اعتبر الفن بيتي وصومعتي، اشتقت للإبداع فهو وحده الذي يخرج طاقاتي ويشبع رغباتي، الفن قوة لا يُستهان بها، اعتبره أقوى وأخطر سلاح يمكنك استخدامه لمحاربة الفقر وتصحيح الصورة السلبية في الواقع، أنا مؤمن بأن تأثير الفن أكبر وأهم من تأثير السياسي.. أنا حققت مصداقيتي مع الناس من خلال الفن وليس السياسة.
(كتابات) : وماذا عن فيلمك الوثائقي الجديد عن الحركات الإسلامية المتطرفة ؟
أصنع فيلمًا عن “الحركات الإسلامية المتطرفة – الجذور والمآلات”، يدور حول جذور الجماعات الإرهابية المتطرفة وأسبابها، عملت مصورًا للفيلم بنفسي، واستعنت خلال التصوير بكبار الشخصيات حول العالم من “أميركا وبلجيكا وفرنسا وسويسرا ولبنان وسورية وتونس وبلاد الخليج”، وبحثت في كل المحاور حول الظهور الكثيف والمفاجيء لهذه التيارات عقب ثورات “الربيع العربي”، وسيطرتها وسطوتها على مساحات من الأرض وعلاقتها بالثورات العربية، ووضحت حقيقة مشاركتها في الثورات.
(كتابات) : لماذا تأخر فيلم (الأندلس) ؟
الإنتاج هو السبب الرئيس، فالعمل يحتاج إلى ميزانية ضخمة، وحتى هذه اللحظة لم انتهى من التركيبة الإنتاجية، وهناك مشروع آخر استعد لتنفيذه لا أريد الإفصاح عنه بعد.