Category

مقالات

خالد يوسف الجدار البشري الذي دافع عن متحف مصر من نهب الرعاع

By | مقالات

السبت 21-06-2014

المخرج المصري خالد يوسف يهجر السينما ليدخل السياسة بعد ثورة يناير حيث تم اختياره عضوا في لجنة صياغة الدستور ومستشارا لحملة السيسي.

القاهرة- لا ينسى المصريون والعالم لهفة خالد يوسف، وهو يركض من ساحة إلى ساحة أثناء اندلاع أحداث ثورة 25 يناير في العام 2011، وهروعه إلى مكاتب القنوات الفضائية للتحذير من احتمال نهب المتحف المصري، وتشكيله سدا بشريا يمنع الرعاع ممن اندسوا بين المتظاهرين، في ظل غياب قوات الأمن والشرطة.

فنانون كثيرون في العالم استهوتهم السياسة، ووصل بعضهم إلى كرسي الحكم في أعظم الدول وأقواها، كما حدث مع الرئيس والممثل الأميركي الراحل رونالد ريغان، أو أصبح حاكما لإحدى الولايات الكبرى، مثل نجم أفلام الحركة أرنولد شوارزنيغر، فيما فاز آخرون بحقائب الوزارة، ومنهم النجم الهندي أميتاب باتشان الذي تولى حقيبة وزارة الثقافة في بلاده، وينتمي إلى هؤلاء المخرج المثير للجدل بأفلامه ومواقفه السياسية معاً.. المصري خالد يوسف.

ودخل يوسف الفن من بوابة السياسة، حيث لم يدرس السينما، وإنما الهندسة، وقاده العمل السياسي بالجامعة، والذي كان أحد رموزه في فترة الثمانينات من القرن الماضي للتعرف على أستاذه في الفن والحياة، المخرج العبقري الراحل يوسف شاهين، حيث عمل مساعدا له في العديد من أفلامه، واشترك معه في إخراج آخر أفلامه “هي فوضى”، الذي تنبأ فيه الاثنان بقيام ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بحكم الرئيس المخلوع مبارك.

لم يكتف خالد بالعمل الفني، بل انخرط في العمل السياسي، وهجر الكاميرا والسينما من أجله، منذ أن لاحت تباشير 25 يناير، التي أصبح واحدا من أبرز ناشطيها، ومع تطور الأحداث في مصر، ظل حاضرا في المشهد بحيوية وفاعلية، واختير عضوا في لجنة الخمسين التي صاغت الدستور المصري الجديد، كما اختير مستشارا لحملة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رغم صداقته القديمة بمنافسه المرشح اليساري الخاسر حمدين صباحي. وأخيرا أعلن خالد منذ أيام عن اقتحامه للعمل السياسي رسميا بالترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

منافسة شرسة

اختار المخرج خالد يوسف الترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة عن دائرة كفر شكر بالقليوبية – مسقط رأسه، مبررا ذلك بأنه جاء كاستجابة لمطالب أهالي الدائرة، وبعض الشخصيات العامة بالمحافظة، والقوى السياسية والشبابية بدائرة كفر شكر، ويبدو أن هؤلاء قد تصوروا أنه سيكون قادرا بنجوميته وعلاقاته بأصحاب القرار وكبار المسؤولين على تقديم خدمات للمواطنين، والمساهمة في حل المشاكل التي يعانى منها أبناء الإقليم.

وجاء إعلان المخرج المعروف ترشحه للبرلمان، ليشعل المنافسة على مقعد كفر شكر في انتخابات مجلس النواب القادم، في القليوبية، حيث من المتوقع أن يواجه يوسف حربا شرسة من رموز الإخوان والحزب الوطني المنحل.

ويعتمد خالد يوسف على دعم عائلة محيى الدين، التي ينتمي إليها عدد من رموز ثورة 23 يوليو من الضباط الأحرار، وعلى رأسهم نائب الرئيس جمال عبدالناصر، الراحل زكريا محيي الدين، ومؤسس حزب التجمع اليساري خالد محيي الدين، مستفيداً من قربه وعلاقته الوثيقة بمحمد زكريا محيى الدين مؤسس التيار الشعبي، الذى يتزعمه صباحي.

وبعد أن أفصح يوسف عن نيته في الترشح ظهر 5 منافسين له، أبرزهم عربي فؤاد، وهو رجل أعمال وصاحب مصنع للمستلزمات الطبية، وخاض تجربة الترشح للانتخابات لمده دورتين عن الحزب الوطني المنحل ولم يحالفه الحظ، والثاني محمد أبو عيطة من قرية الجمرانية ابن عم المناضل كمال أبو عيطة وزير القوى العاملة والهجرة السابق.

خواء سياسي

اختار المخرج الشهير الذي اتهمته جماعة الإخوان بالمبالغة في تصوير تظاهرات 30 يونيو 2013، باستخدام تقنيات سينمائية ليقنع العالم بضخامة الحشود المليونية التي خرجت تطالب بإسقاط المعزول محمد مرسي، الترشح للانتخابات مستقلا، وهو ما يتسق مع رؤيته وتقييمه للأحزاب السياسية في مصر، والتي يصفها دائما بأنها تعاني من الخواء السياسي، وينصحها بالعمل من خلال الائتلافات والتكتلات الشعبية، لتعويض ما تفتقده من قواعد على الأرض.

ويردد يوسف، مثله مثل كثير من الليبراليين في مصر، نغمة تتهم الأحزاب المصرية التي تضاعف عددها بشدة عقب أحداث 25 يناير 2011 بأنها أحزاب كرتونية لا وجود ولا قواعد ولا تأثير لها في الشارع، وهو ما صرفه من البداية عن الانضمام حتى للأحزاب الوليدة التي ارتبطت بأسماء سياسيين ورجال أعمال كبار، مثل حزب الدستور الذي أنشأه الدكتور محمد البرادعي، وحزب المؤتمر الذي أسسه أمين عام الجامعة العربية السابق عمرو موسى، وحزب المصريين الأحرار الذي ارتبط باسم رجل الأعمال نجيب ساويرس.

ويلقي خالد باللوم في ذلك على الرئيس المخلوع حسني مبارك، متهما إياه بأنه هو الذي تسبب في تجريف الحياة السياسية ووصول جماعة الإخوان للحكم، لأنه كان يضرب الحياة الحزبية ضربات أمنية وسياسية، مطالبا الأحزاب الموجودة حالياً بالتحالف مع الائتلافات والحركات الشبابية الفاعلة والتي تقود حركة الشارع، حتى تسد الفراغ السياسي ولا تسمح بعودة الإخوان للمشهد مرة أخرى عقب انتهاء فترة ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، سواء كانت أربع أو ثماني سنوات.

الفن والسياسة

مثلما كانت السياسة هي البوابة التي دخل من خلالها المخرج خالد يوسف، المولود في مدينة كفر شكر (شمال القاهرة) سنة 1964، والذي تخرج سنة 1990 من قسم الهندسة الكهربية في كلية الهندسة بشبرا جامعة بنها إلى عالم الفن، ومثلما كانت هي النافذة التي تعرف من خلالها على عدد من الشخصيات الفنية ذات الاهتمامات السياسية، وعلى رأسهم أستاذه يوسف شاهين، فقد كانت أيضاً هي السبب في اتهام بعض النقاد له بتحويل بعض أفلامه إلى منشورات سياسية زاعقة.

وقد ترأس يوسف اتحاد طلاب الجامعة، وقام أثناء الدراسة بإخراج مسرحية “المهرج” للكاتب السوري الراحل محمد الماغوط على مسرح الطليعة ضمن النشاط الطلابي للجامعة، ولفتت المسرحية إليه أنظار عدد من المخرجين، وكانت سببا في تعرفه على المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين، الذي تعلم على يديه أسرار الإخراج السينمائي، وعمل مساعدا له في إخراج وكتابة السيناريو والحوار لأفلامه الأخيرة، قبل أن يشاركه إخراج آخر أفلامه “هي فوضى”.

كانت السياسة أيضا هي السبب في ابتعاد خالد عن بلاتوهات التصوير، بسبب انشغاله بالأحداث المتوالية التي حدثت في مصر منذ بداية ثورة 25 يناير، والتي أطاحت بالرئيس مبارك بعد 30 سنة من الحكم يوم 11 فبراير 2011، وكان من أهم الفنانين الذين نزلوا إلى ميدان التحرير ودافعو عن المتظاهرين ضد الحملات الإعلامية ضدهم.

فنان أيديولوجي

على المستوى الفني، يرى بعض النقاد في خالد يوسف، واحدا من المخرجين القلائل في تاريخ السينما المصرية الذين يجمعون بين الموهبة والثقافة السياسية والدافع للإنجاز، ويعتبرونه امتدادا لمدرسة المخرج العبقري الراحل عاطف الطيب، الذي قدم خلال سنوات عمره القصير عددا مقبولا من الأفلام يفوق عدد ما قدمه مخرجون آخرون أكثر موهبة وأعمق فكرا مثل المخرجين المعروفين بمخرجي الثمانينات، محمد خان، خيري بشارة، وداود عبدالسيد، بسبب كسلهم الفني وعدم قدرتهم على التعامل مع التغيرات الطارئة في سوق السينما بحجة رفض الإسفاف وأنها أفلام تجارية.

ويشيد هؤلاء النقاد بشجاعة يوسف، ويصفونه بأنه فنان أيديولوجي، وله وجهة نظر في الحياة والسياسة والفن، ومع ذلك فهو يحاول عدم الانسياق وراء الأفكار، ويعرف أن السينما تجارة قبل أن تكون فنا، ويقدم لمحات سياسية ونقدا اجتماعيا حتى في أفلامه التي تبدو تجارية مثل “خيانة مشروعة”.

لكنهم يأخذون عليه أنه يستسلم أحيانا للخطابية الزاعقة كما فعل في فيلميه “هي فوضى”، و”حين ميسرة”، ويلجأ كثيرا إلى الجنس كما هو الحال في فيلم “الريس عمر حرب”، خوفا من عدم تقبل الجمهور للفكرة الفلسفية التي يناقشها الفيلم، وتذكر بروايتي “أولاد حارتنا” و”قلب الليل” لأديب نوبل نجيب محفوظ.

كسر التابوهات

لا تتوقف الاتهامات للمخرج المثير للجدل عند كسر التابوهات المعهودة، وهي الجنس والدين والسياسة، والتي جعلته هدفا لبعض الدعاوى القضائية، التي تنوعت بين دعاوى تتهمه بنشر الفجور من خلال تقديم المثلية الجنسية عند النساء على الشاشة في مشهد بين غادة عبدالرازق وسمية الخشاب في فيلم “حين ميسرة”، إلى دعوى تتهمه بالإساءة إلى الصوفيين بسبب مشهد للمطربة هيفاء وهبي في دكان شحاتة، لكنها تمتد أيضا إلى اتهامه بمحاولة تشويه صورة مصر والمصريين في أفلامه تحت دعوى الواقعية.

كان خالد يوسف من أوائل المخرجين الذين قدموا صورة ابن البلد على الشاشة بشكل مختلف تماما عن السائد في السينما المصرية، وحوّلوه من بطل إلى بلطجي.

المقصود بتعبير “ابن البلد” هو الشخصية الشعبية التي تنتمي إلى أزقة مصر وحواريها، واعتادت الأفلام المصرية على أن تقدمها في صورة الشاب الشهم العفوي الخدوم الذي يعبر عن أخلاق الفقراء العفويين، وأبناء الطبقات الشعبية المتماسكين المتمسكين بقيم التضامن الاجتماعي والترابط الأسرى والتعاون على الحب والتسامح والرضا بالقليل رغم ظروفهم الاقتصادية القاسية، وأوضاعهم الاجتماعية الصعبة.

ابن البلد، الذى كان يمثله محمد أفندي الشاب المهذب المتعلم الرافض للفساد وامتهان الكرامة في فيلم “العزيمة”، أول أفلام الواقعية المصرية في السينما للمخرج العبقري الراحل كمال سليم.

وابن البلد صاحب الحرفة، مثل الأسطى حسن السباك الذى هجر أهله وناسه ليلتحق بطبقة الأغنياء المرفهة من خلال امرأة لعوب، تتسبب في اتهامه زورا بجريمة قتل زوجها العاجز، فلا يجد الأسطى في النهاية سوى زوجته الوفية وأهل حارته لينقذوه من حبل المشنقة، وهو الدور الذى جسده وحش الشاشة فريد شوقي في فيلم “الأسطى حسن” لمخرج الواقعية صلاح أبو سيف.

وابن البلد، الموظف صاحب الشهادة العالية الذي يفشل في العثور على أربعة جدران تحتويه هو وزميلته التي أحبها وتزوجها سراً بعد خطوبة فاشلة في فيلم الراحل عاطف الطيب “الحب فوق هضبة الهرم”، وجسّد من خلاله الفتى الأسمر أحمد زكى الأحلام المجهضة لملايين الشباب المتعلمين من الطبقات الفقيرة والمتوسطة والدنيا.

ابن البلد، الذي اعتادت السينما المصرية على تصويره خلال عقود طويلة في صورة السوبرمان، تحول في أفلام المخرج خالد يوسف، وخاصة “كلمني.. شكرا”، إلى كائن عشوائي، يعيش في مناطق عشوائية، ويؤمن بقيم عشوائية، ويتحدث بلغة عشوائية، لا أصل ولا فصل لها ولا جذور، ويعيش على ما تجنيه النساء، ويغرق نفسه في المخدرات والجنس الحرام، ويتحالف مع قوى التطرف والإرهاب.

كف القمر

يتحدث الناقد السينمائي المعروف أمير العمري، عن آخر أفلام خالد يوسف “كفّ القمر” فيقول: لم يحظ هذا الفيلم باهتمام نقدي أو حتى جماهيري مشابه لأفلام سابقة للمخرج نفسه، ومرجع ذلك أن عروضه العامة في مصر بدأت بعد أحداث 25 يناير مباشرة والتي أدت إلى إغلاق كثير من دور السينما واضطراب عروض البعض الآخر في تلك الفترة بسبب تدهور الأحوال الأمنية في الشارع.

ويضيف، أن خالد في هذا الفيلم قد تراجع إلى الوراء، وترك العنان لطغيان الرمز السياسي الذي يولع به كثيرا حيث يصل أحيانا إلى حد الصراخ المباشر من خلال الحوار، وحشو الكثير من المبالغات الدرامية التي تجعل من معظم أفلامه بيانات سياسية احتجاجية مباشرة وضعيفة لا تشهد على الظاهرة الاجتماعية المتدهورة بقدر ما تصبح جزءا منها.

المشكلة عند يوسف ، كما يراها العمرى وآخرون أنه لا يريد الاكتفاء بدور السينمائي الذي يقدم رؤية فنية للواقع، بل يريد أن يقوم بدور الخطيب والداعية السياسي أو المصلح الاجتماعي ولو بوضع مجموعة من الافتراضات الدرامية التي تقارب بين الفيلم والواقع بطريقة تذكر بـ”ميلودرامات” سينما أثرياء الحرب في فترة الأربعينات.

العرب

كنا رجالة

By | مقالات

كنا رجالة .. بقلم: المخرج السينمائى خالد يوسف – جريدة الأهرام

من فينا لم يتربى على”كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة” مقولة حسن فؤاد والتى نطق بها العظيم محمود المليجى فى تحفة يوسف شاهين الخالدة”الأرض”..؟ لم أكن أتخيل وأنا فى صباى وأشاهد تلك اللقطة وأستمع لهذه الكلمات أنها ستكون فيما بعد هى المشهد الأهم والأعظم تأثيراً فى حياتى..

وكي لا أطيل فى المقدمات سأروى ما حدث.. كنت طالباً بالسنة الثالثة بكلية الهندسة وإبتدأ العام الدراسى بمعركة إنتخابية شرسة بين التيار الناصرى وكنت أحد قياداته الطلابيةوبين التيار الدينى وأسفرت عن فوزى برئاسة إتحاد الجامعة..

وكان علينا-وقد واتتنا الفرصة- أن ندحض كل الأفكار المتخلفة والظلامية التى كرس لها التيار الدينى عبر سنوات سابقة كان فيها هو الفائز برئاسة الإتحادات الطلابية وكان أول ما فكرنا فيه هو الإستعانة بكتائب ومدفعية وصواريخ هذا الوطن من أدباء ومفكرين وفنانين ينشرون النور يحاربون خفافيش الظلام..

وكان على رأس هؤلاء المخرج السينمائى”يوسف شاهين”.. فذهبت إلى مكتبه برفقة صديق”عادل لطفى” كان له معرفة سابقة بالمخرج يسرى نصر الله وكان يسرى وقتها مساعداً لشاهين ولكم كان مدهشاً لى أن يلبى طلبى فى غضون دقائق قليلة وأجد نفسى وجهاً لوجه أمام شاهين بشحمه ولحمه..!

ويأخذنى التأمل لبضع ثوانى وهو يسلم علىّ وأدقق فى عينيه لأجد عينا “قناوى” فى باب الحديد بكل هوسها وجنونها وتطرفها ويستمر هذا اللقاء زهاء النصف ساعة وتواتينى الفرصة أكثر لمزيد من التأمل فى عينى شاهين لأقرأ أبجديات الحزن المستقر والمقيم فى داخل هذين العينين ولأجد تفسيراً لها بعد سنين طويلة تربو على العشرين من ملازمتى له تلميذاً وإبناً وصديقاً لا مجال الآن للغوص بها..ويوافق شاهين على لقاءه مع طلاب الجامعة وعرض فيلمه العصفور..

وخرجت من لقائى بالأستاذ وتعتمل بداخلى مئات بل آلاف الأسئلة..ما هذا الساحر الذى ما أن تلقاه لا يمكنك أن تشرد أو تسرح بعيداً عنه وعن عالمه..؟!..

ما هذه النظرات الأخاذة التى يطلقها من حين لآخر فيخترقك ويكشف ما بداخلك بكل سهولة ويسر..؟!.. ما هذه الرقة والعذوبة والإنسانية والتواضع التى يتحدث بها مع طالبين من الجامعة كان هذا أول لقاء له بهما..؟!

ما هذه الدهشة الساكنة أعماقه والتى تحيل ملامح وجهه إلى ملامح طفل مندهش دائماً برغم الصرامة والجدية الشديدة التى تقفز من عينيه..؟! أزعم أن الأسئلة التى سألتها لنفسى أو لصديقى عن هذا الرجل؛أزعم أن لدى الآن الكثير من الإجابات عليها..

ولكن أيضاً ليس هذه هو المجال للحديث عنها.. ولكن ما أريد أن أحكيه اليوم هو ذلك الذى حدث يوم مجيئ الأستاذ للجامعة فقد رأت إدارة الجامعة والجهات الأمنية المنسقة معها أن هذا اللقاء قد يكون خطيراً وفى أقل التوقعات لقاءاً ليس مستحباً ولا يخدم أى من أهدافهم فقد كان شاهين فى ذلك الوقت ممنوع من دخول الجامعات ومعه زمرة من المفكرين والشعراء والأدباء وكان منطقهم أن نجاح حفنة من الطلاب أمثالنا فى الإنتخابات ليس معناه أن نفرض عليهم دخول هؤلاء الغير مستحب سماع كلامهم لطلاب فى عمر الفوران ..

لذا فقد قررت الجامعة منع هذا اللقاء وأبلغونى به مساء اليوم السابق للقاء حاولت الإتصال بالأستاذ فى ذلك اليوم ولم أوفق..فما كان علىّ إلا الذهاب لمكتبه فى الصباح الباكر للقاءه لإبلاغه بما حدث..فما كان عليه إلا أن سألنى”عندك رجالة”..؟

..فبدت على وجهى علامات البلادة و اللافهم.. فاستطرد: “عندك رجالة يقدروا يقفوا وقفة رجالة..؟” قلت له نعم..قال”إذن أنا سأحضر معك”..فقلت له “والإدارة والأمن..؟!”..فقال “أنا تلقيت دعوة من الطلاب ولبيتها ولن تستطيع قوة أن تمنعنى من لقاءهم ما داموا هم يمتلكون الإرادة للدفاع عن قراراتهم..

ولن أستفيض فى حجم الدهشة التى علت وجهى وأنا أستمع لكلمات مليئة بفوران الشباب وجموحه بنبرة حماسة لا يمكن أن تكون لرجل قد تخطى الستين من عمره..وسأكتشف فيما بعد أن هذا الحماس وهذا الشباب ظل محافظاً عليه وكان أكثرنا شباباً وتهوراً وجنوناً فى الكثير من المواقف إلى أن وافته المنية وهذا أيضاّ له مجال آخر للحديث عنه..

المهم ذهب “شاهين”معى للجامعة فى سيارته التى ما زلت أذكر تواضع نوعها ولونها الأبيض المرصع ببقع سوداء هى من أثر تساقط “الدوكو” من على سطحها..

وما أن وصلنا لباب الجامعة حتى هبط شاهين برفقتى ودخلنا البوابة مترجلين ومررنا أمام أفراد الأمن وما أن شاهدوا شاهين حتى أسقط فى أيديهم فلم يتوقعوا أبداً هذا الإقتحام ولم يحضروا أنفسهم للتعامل مع هذا الإحتمال..ودخلنا..

وإذا بآلاف الطلاب المتجمعين أمام القاعة التى أغلقت فى وجوههم يجدون شاهين أمامهم فيتجمهرون حوله ويحملوه وتدوى الهتافات ترج أرجاء الجامعة لتجد إدارة الجامعة نفسها مضطرة لفتح القاعة ودخول شاهين ووراءه الطلاب ويعرض فيلم العصفور الذى تنتهى أحداثه بصرخة بهية”هنحارب..هنحارب” ويصفق الطلاب ويغنون مع الشيخ إمام:-

“مصر يا أمه يا بهيه..يا أم طرحة وجلابية..الزمن شاب وانتى شابه..هو رايح وانتى جايه.. جايه فوق الصعب ماشيه..فات عليكى ليل ومِيه..وإحتمالك هو هو وإبتسامتك هىّ هىّ”.. ويجيئ دورى لتقديم الأستاذ بعد هذه الحماس الجياش لأجد أن الكلمات التى كنت قد حضرتها لتقديمه لا يمكن أن تستوعب الحالة التى أراها وأشعر بها..كنت أنوى أن أقول عنه كلاماً كبيراً وإذا بى لم أنطق إلا بعبارة واحدة قدمته بها..قلت:- “إنه العصفور الذى ما زال يغرد برغم وجود محترفى إغتيال أصوات البلابل..إنه الأستاذ يوسف شاهين”..

اقرأ المزيد

الرئيس.. والفنانون.. والفئران

By | مقالات

الأربعاء 17-10-2012 08:38

تلقيت دعوة ضمن مجموعة فنانين من السيد الرئيس محمد مرسى وقبلتها وذهبت من منطلق أننى ليس بينى وبينه أو بين تيار الإسلام السياسى من أشقائنا فى الوطن أى عداوة ولن تكون -ولا يصح أن تكون- بيننا نحن أبناء الوطن الواحد أى عداوة.. إننا فى أسوأ الأحوال خصوم وفى أحسنها مختلفون..

صحيح أننى أراهم مشروع احتلال لهذا الوطن والتحكم فيه وليس حكمه ولكنهم يرون أن مشروعهم يحمل الخير لمصر على حد تعبيرهم..

إذن نحن مختلفون ولكنى تعودت فى اختلافى مع الآخر أن أسيد منطق أن رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى المختلف معى خطأ يحتمل الصواب، ومن هذه القناعة ذهبت للحديث أمامه عن هذا الخلاف والاختلاف وبالفعل قلت له جزءاً ليس قليلاً منه وهذا ليس موضوع مقالى وقد أكتب فيه لاحقاً وذهبت أيضاً لاعتقادى أن هذه الدعوة جاءت فى توقيت أراه يعبر بامتياز عن إدراك النظام الحاكم ورئيسه أن الفنانين فى هذه اللحظة بحاجة إلى إعادة اعتبار بعد هذه الهجمة الشرسة التى يتعرضون لها من مشايخ يطلقون الفتاوى.. يوجهون الشتائم.. يوزعون الاتهامات ليل نهار على أهل الفن والإبداع.. مما يؤكد أنهم ينظرون للحياة من ظهرها لا من وجهها كما قال «ألبير كامى».

وأعترف أن اللقاء قد جاء أقل كثيراً من توقعاتى.. فلم أر الرئيس يتطرق إلى هذه الهجمة لا من قريب ولا من بعيد والأدهى أنه لم يتطرق حتى لما هو مُلحّ أكثر من هذه القضية مثل الدستور وجمعيته العجيبة أو الحرية ومظاهر التضييق عليها أو العدالة الاجتماعية وحال الفقراء من أسوأ لأسوأ أو المواطنة والاحتقان الطائفى يزداد يوماً بعد يوم.. إلى آخره.

وعندما لم يتطرق الرئيس للهجمة على الفنون فقد اُضطر العديد من الفنانين لتذكيره بما تعرضت له الفنانة إلهام شاهين فعلق أنها كانت مدعوة ولم تأت وعندما أكد الحاضرون أنها لم تدع فقال نصاً (إذن وجب علىّ الحديث إليها هاتفياً) واعتبر الحاضرون من الفنانين أن ذلك ترضية مناسبة إذ إنه لم يتحدث فى الموضوع وقد حاصره وقته المزدحم بالمسئوليات.

حتى هذه الترضية التى اعتقدناها فقد ذهبت أدراج الرياح عندما خرجت الرئاسة علينا بعد اللقاء بساعات بتصريح تعلن فيه أنها لم تتضامن مع إلهام شاهين وأكدت «لم نتضامن مع طرف من الشعب ضد طرف آخر وعلى المتضرر اللجوء للقضاء».

لم نكن ننتظر من الرئيس أن ينتصر لنا بغلق هذه القنوات كما أغلق قناة «الفراعين» التى افترت عليه ولم نكن بحاجة إلى أى إجراء من الحكومة ضد هؤلاء المشايخ.. وكنا عازمين وعارفين أن طريقنا إلى الحصول على حقنا هو القضاء.. ولكن مسئولية الرئيس أن يعلن موقفه فى مثل هذه الأمور، خاصة أن الجناة من حلفائه وينتمون إلى خط قريب من خطه الفكرى والسياسى..

وهذا الإعلان ليس له علاقة بخصومة بين أفراد من شعبه ورعيته ولكنه إعلان ضرورى لوضع الخطوط الفاصلة فى سياسة النظام الجديد تجاه حرية الإبداع.. وهل هناك موقف رسمى لهذا النظام يعبر عن انحيازه وتكريسه لهذه الحرية بحسبانها صلب أى دولة مدنية أم لا؟ ولكنه أبى أن يعلن موقفه مع أنه قد تحدث باستفاضة عن أن مصر مدنية وستظل مدنية.

عموماً لا بأس فنحن قبل هذه الدعوة كنا نعرف أن هذه القضية من القضايا التى لن يقف النظام الجديد من أجل الدفاع عنها، أو توفير وسائل التشجيع اللازمة لها كما تنص دساتيرنا المتعاقبة، وغاية المنى بعد تغيير الظرف والنظام أن تكتفى الدولة بإعلان موقفها وتحديد ضوابطه، انتصاراً منها لمفاهيم الدولة المدنية التى تزعمها.

لا نريد دعماً ولا مساندة لإدراكنا أن للإبداع رجالاً ونساء يحمونه وقادرين على الدفاع عنه ضد كل قوى الجهل والجهالة والتخلف..

والمشكلة أن هذه القوى منذ أن صعد دكتور مرسى لسدة الحكم لم تجد فى أحوال البلاد والعباد التى تزداد غماً وهماً ما يدعوها لأن تتحدث عنه.. وكأننا نعيش فى جنة الله على أرضه ولا ينغص علينا هذه الجنة غير هؤلاء الفنانين الداعرين والعاهرات «على حد وصفهم»..

نرى هؤلاء الدعاة يخصصون جل أوقاتهم لمهاجمة الفنون ويختصرونها فى عدة مشاهد رأوا أنها إفساد للبشر.. ولو سلمنا «وأنا لا أسلم معهم» بأن هذه المشاهد تثير غرائز البشر.. أرى أن ما قدمه الفن طوال المائة عام الأخيرة كان تكريساً لمنظومة قيم قد أنارت الطريق لهذا المجتمع وبدونه لا يمكن تخيل شكل هذا الوطن، بل إنه دون الإسهام الفنى الذى انتصر للحق وللخير وللجمال وللحرية وللعدل عبر تاريخه لا يمكن تخيل حتى شكلنا..

إنهم يختصرون صورة الفنون فى هذه المشاهد ولا ينظرون للصورة كاملة.. فحتى لو سلمنا -وأنا مرة أخرى لا أسلم معهم- أن هذه المشاهد نقطة سوداء فهى فى لوحة كبيرة مترامية الأطراف، لو نظرت إليها بتأمل لن تلحظ هذه النقطة من كثرة بقع النور الموجودة بها.. لماذا لا يرى هؤلاء غير هذه النقطة السوداء؟ -إن كانت سوداء- وكأن كل الفنون لا تتحدث ولا تتحرك من مكانها إلا للحديث عن الجنس وتصوير العرى ولم أجد أحدا منهم يتحدث عن أى إسفاف أو ابتذال آخر غير الذى يتطرق للعرى وللجنس ولجسد المرأة..

لماذا لم يشغلوا أنفسهم ببيان مفاسد أعمال يطلق عليها البعض أعمالاً فنية والفن منها براء، تكرس للتخلف والجهل والقهر والقتل والإفساد ولإدمان المخدرات وللسرقة ولم يتحدثوا عن أى منها؟ أما إذا كانت هناك خمسة سنتيمترات من ساق سيدة ظهرت فى صورة أو فيلم لا بد أن تقوم الدنيا وتقعد، وكأن الأرض كلها ستفسد وسنذهب كلنا إلى التهلكة بسبب هذه اللقطة.. مما يؤكد أنه لا توجد تلفيفة واحدة من تلافيف نخاعهم الشوكى غير مصابة بورم الجنس، وهذا الورم يجعل من هواجسهم كلها جنسية وتسيطر على كيانهم وعقولهم فلا يرون فى الفنون غير هذا الجانب.

ورائعاً كان عباس العقاد ذلك المفكر الإسلامى الذى لا يستطيع هؤلاء أن يزايدوا عليه، فكتاب واحد بل صفحة واحدة من كتبه الإسلامية أكبر «وأبرك» من كل ما أسهموا به فى نصرة ديننا الحنيف.

هذا الكاتب وقف يوما أمام تمثال يونانى لامرأة عارية وفى عينيها مسحة حزن ودمعة شجية، وعندما سئل عما يشعر به قال: لم أشعر بحالة من الشجن مثلما شعرت بها عند توقفى عند ملامح هذه المرأة الحزينة.. اليوم أدركت أكثر ماذا تعنى التراجيديا الإغريقية.. وعندما سألوه ماذا عن جسدها العارى؟ قال: لم أر فيه إلا تعبيرا عن عظمة الخالق الذى خلق من أبدع هذا التمثال..

المدهش أن هؤلاء الدعاة -دعاة الجهل والتخلف- لم نسمع لهم صوتاً من قبل، فهم الذين خرسوا عندما كان الكلام له ضرائب وتحدثوا عندما أصبح الكلام بلا جمارك..

صمتوا وتخاذلوا بينما نطق وصرخ الفنانون بمظالم النظام السابق وفساده وقالوا كلمة حق فى وجه سلطان جائر، بل إن بعض هؤلاء الدعاة كانوا عملاء لمؤسسات النظام الساقط وخانوا الوطن وخالفوا تعاليم الدين بإطلاقهم للفتاوى التى تحرم الخروج على الحاكم، ومنهم من توارى حين اشتعلت ثورة فى البلاد حتى يتبينوا الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بينما وجدنا الفنانين فى طليعة هذه الثورة، ومنهم من تقدم الصفوف وعرض حياته ومستقبله ومستقبل عائلته للخطر وكان وجودهم شديد الحضور، شديد الندرة فى تاريخ الثورات.

هذا ليس منّاً على أحد فهذا هو وطننا وهذا هو واجبنا وقد أديناه، ولكنى أردت أن أذكر دعاة الجهل والجهالة أننا -نحن فنانى الدعارة والفسق والفجور على حد وصفهم لنا- كنا أول من ستعلق رقابهم على المشانق لو فشلت هذه الثورة أو على أقل تقدير لن يكون لنا مستقبل فى هذا الوطن غير وراء أسوار السجون وكان سينجو الكثير منهم لأنهم وإن شارك بعضهم فلا يعرفهم أحد..

كل ذلك لم يتذكروه مع أن الذكرى تنفع المؤمنين، وكل ما تذكروه بضعة مشاهد مختزلة من هنا وهناك، لا يصح الحكم عليها وهى مجتزأة من سياقها، سواء بالقواعد الحاكمة للفنون أو بالقواعد الحاكمة للفقه الإسلامى الذى تؤكد إحدى قواعده «الحكم على الشىء فرع عن تصوره» بمعنى أنك لا يمكن اجتزاء جملة من مقال أو صفحة من رواية أو مشهد من فيلم أو جزء من لوحة أو قطعة من تمثال، وتستطيع الحكم على هذا العمل، وإن هذا الاجتزاء -كما هو ظلم للعمل الفنى أو الأدبى- هو فى الحقيقة يروج لغرض فى نفس صانعه، هكذا علمنا الفقه الإسلامى الذى ضرب مثل «ولا تقربوا الصلاة» كى يفهم الذين يفقهون، ولكن يبدو أنهم لا يفقهون..

هاجموا الفن والإبداع ناسين أن كل المجتمعات التى ترجو التقدم تحافظ على مبدعيها باعتبارهم يمثلون لهذه المجتمعات زرقاء اليمامة.. يرون ما لا يراه الآخرون ويحملون الرؤى الاستشرافية للمستقبل. إن الفنانين والفئران هم الكائنات الحية الوحيدة التى تستشعر الخطر، ولكن الفئران حين تستشعر الخطر تعدو لتلقى بنفسها فى البحر هرباً من السفينة الغارقة، أما الفنانون فإنهم يظلون يقرعون الأجراس ويصرخون حتى ينقذوا السفينة أو يغرقوا معها، والحمدالله أن الكثير من الفنانين قد صرخوا وحذروا ولم يكتفوا، فعندما جاءت ساعة إنقاذ السفينة نزلوا إلى البحر بأجسادهم ليحموا سفينة الوطن بثورة كانوا من أهم وجوهها.

إن الفنانين وكما تعودوا فى محاربة الظلم والقهر والاستبداد والتخلف والجهالة إبان العصر السابق سيواصلون حربهم ونضالهم فى هذا العصر، فهى معركتنا ونحن لها.. ويقيناً منتصرون بإذن الله لأنها حكمته وقدره المحتوم أن البشرية فى تقدم إلى يوم الدين ولن تعود إلى الوراء إلى عصور الظلام.. وأى انتصارات لهذه القوى هى انتصارات مؤقتة وزائلة بحكم حركة التاريخ التى لا تعود للخلف..

ففى عصر الفضاء المفتوح وثورة الاتصالات يصبح واهماً من يعتقد أن باستطاعته أن يكبل الإبداع أو يقف فى طريقه.. خاصة لشعب كان امتيازه وتميزه الأساسى وإسهامه الحضارى عبر التاريخ القديم والحديث هو إسهاما فنيا فى معظمه، ولم يحقق تفرده بين أبناء جلدته البشرية إلا بهذه العبقرية الفنية المتوارثة فى الجين المصرى.

ولم يتحقق تفرده وسط أشقائه العرب إلا بالفن بل إن تعلق وجدان المواطن العربى بمصر صار أمراً بديهياً من جراء ارتباطه بالأغانى والأفلام والمسلسلات المصرية، التى تمكنت أن تصدر منظومة القيم الحاكمة للمجتمع المصرى بعاداته وتقاليده وحتى لهجته، وصارت مصر قريبة بسبب فنها، وصار ارتباطها بأشقائها العرب عضوياً، وكان الفن هو الجسر الوحيد بيننا وبينهم عندما باعدت بيننا الأنظمة والسياسات، ووقت المحن وجدنا العرب كل العرب بجانبنا لأن حكامهم لا يستطيعون أن يقفوا أمام شعوبهم فى حبهم لمصر وانحيازهم لها.

ماذا فعل هؤلاء الدعاة لمصر وللإسلام حتى يصبحوا أوصياء علينا وعلى فننا؟ كل ما فعلوه هو تصدير وجه قبيح للإسلام ينفر لا يقرب، ولدىّ يقين بأن المسلمين الأوائل لو كانوا مثل هؤلاء ما كان الإسلام قد خرج من شبه الجزيرة العربية.. وما جاب الآفاق.

إن الذين يريدون إطفاء طاقة التنوير المصرية فى الحقيقة هم يخنقون روح مصر.. والفنون هى وجدان وروح مصر عبر تاريخها الطويل، ولا أظن أن ذلك وارد، لأنه ضد طبائع الأمور.. لذلك يجب علينا نحن المبدعين ألا نتخاذل أو نتردد أو نتهاون مع من يريد إظلام مصر لأن التاريخ سيصب علينا اللعنات على تفريطنا فى أهم ما نملكه من إرث حضارى وثقافى وفنى.

إن البشرية عبر تاريخها الطويل لم تتطور ولم تتقدم إلا بإسهام الفنون، والحديث عن ذلك يطول لذا سأخصص له المقالات القادمة لعل أحداً منهم يقرأ ثم يفكر ثم يتعقل فيدرك.. والإدراك ومن قبله الإحساس نعمة يفتقدها ذوو القلوب الجافة.

الوطن 

حمدين صباحى..النضوج على نار الاستبداد

By | مقالات

الجمعة 18-05-2012 23:21

فى العام 1997 قرر النظام البائد تنفيذ آخر حلقات التخلص مما أنجزته ثورة 23 يوليو عن طريق إصداره قانون العلاقة بين المالك والمستأجر، والذى كان يعنى إرجاع الفدادين الخمسة التى حصل عليها الفلاحون إثر قانون الإصلاح الزراعى، وبهذا الإنجاز العظيم لهذا النظام الفاسد المرتد على مكاسب الفلاحين استطاع أن يعود بفلاحو مصر إلى عصور الحفاء، ولست مبالغاً حينما أقول الحفاء.. ففلاحو مصر عبر قرون عديدة لم يكن لديهم رفاهية ارتداء حذاء حتى جاءت ثورة 23 يوليو فتغيرت أحلامهم بعد أن كان أقصى طموح للفلاح المصرى ارتداء حذاء.. أصبح حلمه أن يصبح ابنه رئيساً للجمهورية، فازدادت أسماء الأبناء من على شاكلة جمال وناصر وخالد وحكيم وغيرهم من أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو، وبعد وفاة الزعيم جمال عبدالناصر وبداية الجمهورية الثانية برئاسة السادات الذى مشى على نفس خط عبدالناصر ولكن للوراء ماسحاً بأستيكة كل ما أنجزته الجمهورية الأولى بقيادة عبدالناصر واستكمل هذه الجمهورية الرئيس مبارك وأكمل السير فى نفس خط السادات وأجهز على البقية الباقية، حتى جاءت نهاية الألفية الثانية وقبل وصولنا للعام 2000 كانت قد تبخرت كل مكتسبات العمال والفلاحين والطبقة الوسطى.

وأثناء انتشاء النظام بالإعلان عن الخلاص من كل أثر لثورة يوليو بهذا القانون الظالم.. انتفض رجل من رجالات مصر العظام وهو ابن الفلاح المصرى الأصيل الحاج عبدالعاطى صباحى وقرر أن يجوب قرى مصر من صعيدها لدلتاها، لحث الفلاحين على مقاومة تنفيذ القانون الجائر وعدم تسليم أراضيهم.. وتمكن من أن يجوب أربعة آلاف قرية فى ثلاثة شهور وتكوين جبهة للمقاومة علقت الرايات السوداء على كل منازل وغيطان هذه القرى، استعداداً للمواجهة مع النظام الذى أدرك أنه لن يستطيع انتزاع الأرض من الفلاحين إلا بتغيب ابن الحاج عبدالعاطى صباحى بأى طريقة.. ودارت المناقشات بين جنبات هذه العصابة منهم قائل حادث سيارة تقضى على حياته قضاء وقدراً، إلى قائل تلفيق تهمة أخلاقية له مثل دس مخدرات فى سيارته إلى آخر هذه الحيل الشيطانية، واستقر الأمر لأشجع هذه الآراء الذى قال إن ما نفعله هو فى صالح البلاد والعباد ولا يصح أن نتوارى خجلاً منه فلابد من اعتقال حمدين صباحى جهاراً نهاراً وتوجيه تهم ليس أولاها التحريض لقلب نظام الحكم وليس آخرها مقاومة السلطات والتحريض على تكدير السلم العام.. وبالفعل تم اعتقاله وسجنه لأكثر من أربعة شهور حتى يتمكنوا من كسر ضهر الفلاحين وإرغامهم على تسليم أراضيهم، وكان يوماً حزيناً ذلك اليوم الذى تلقيت فيه خبر هذا الاعتقال وما زاد من شجونى أن ذلك الرجل النبيل قد تعرض للإهانة والإيذاء البدنى والتعذيب، وإمعاناً فى إهانته قاموا بحلق شعره (زيرو) كسجناء القرون الوسطى.. وكنت وقتها قد عزفت عن كتابة الشعر منذ أكثر من عشر سنوات إثر نصيحة قالها لى الشاعر الكبير نزار قبانى عندما قرأ قصيدة لى أعجب بها كثيراً وقال إننى سأصبح يوماً ما واحداً من كبار شعراء العربية ولكنه أردف قائلاً إذا كنت ذلك الشخص الذى تشرحه لى من اهتمامك بالهم العام والتواصل مع الجماهير والتأثير فيهم فإن لغتك الشعرية فى منتهى الصعوبة ولن تصل لهم، فالزمن ليس زمن الشعر.. وقال لى إن أردت أن تصل للناس فهذا الشعر لن يستطيع أن يكون الحامل (وقالها بالإنجليزيةcarier) الجيد لهذه الأفكار وكان ذلك فى نهاية الثمانينيات ومن وقتها عزفت عن كتابة الشعر وقررت أن أجد الحامل الذى ينقل أفكارى للناس وكان لمشيئة ربانية ولإصرار من أستاذى يوسف شاهين أن يكون ذلك الحامل هو السينما.. ولكنى عندما اعتقل حمدين صباحى لم أكن بعد مخرجاً سينمائياً فوجدت نفسى ودون أن تكون لى إرادة أعود لزمن الشعر وكتبت قصيدة لحمدين وحاولت أن تصله فى محبسه ولم أفلح.. وعندما خرج وذهبت لاستقباله كنت قد نسيت أمر هذه القصيدة ولكن ما نظرت فى عينيه ورأيت نظرة الصامد والصابر والواثق من النصر حتى تذكرت أمر هذه القصيدة ولم أجد كلمات غير أننى قلت له بهمس كتبت لك قصيدة فعبر لى عن فرحته بعودتى لزمن الشعر، وعندما التقينا ليلاً كنت قد أحضرتها مكتوبة له وقرأتها وكتبت له إهداء فيها على ما أذكر «قد تكون هذه الكلمات أقل من أن تنقل لك ما شعرت به وأنت فى محبسك وقد تكون بعض كلماتها أكبر منك فإن كانت أقل فلتسامح لغتى.. وإن كانت أكبر فعذرى تلك اللحظه المليئة والمشحونة بالعواطف وبالشجون.. وأتمنى أن تثبت الأيام أنك كنت على مستوى هذه الكلمات إن رأيتها أكبر منك».. هذا ما قلته.. وأضع القصيدة ولأول مرة بين يدى القارئ كى يقرر إن كانت أقل من قيمة حمدين أم أثبتت الأيام أنه كان على مستواها وأكثر.. ولن أصادر عليك عزيزى القارئ إن قلت إن الخمسة عشر عاماً التى تفصلنا عن هذه اللحظة قد أثبتت لى على الأقل أنه كان على مستواها ولم يخذلنا فى موقف ولم يتوان فى لحظة كانت تستلزم الإقدام والفداء، وكان نموذجاً للثورى الشريف، رأيته دائماً نبعاً لا ينبض وبحراً لا يهدأ وتفاحة تميل إلى الاحمرار كلما واجهت خرافات العصور السابقة.. وإليك القصيدة:

«عاشق السنا»

هنا كان يخطو مارد جارح الخطى

وفى موكب ماجت به رعشة الوجل

تداجيه أنفاس العبيد وتنحنى

جباه الضحايا بين إطراقة المقل

وفى جانبٍ عاتٍ تزمجر زارة

فتعول صلبان المجازر بالشلل

فيخبو الحداء المستنير وترتمى

أغاريده النشوى على مذبح الأمل

عذابات أيام الأسى أطفئت

من العيون مواويلا للضياء تبتهل

لكم ردد الموال بشرى نبوة

تقلم أظفار الدجى عندما تصل

وجاء الخلاص البر يحكى نبيه

أساطير طوفان إلى الشمس ترتحل

يصب اليقين العذب فى كل زحفةٍ

وهم فى أسى والليل مازال ينسدل

وكنت حواريا بعثت مبشرا

بوحى النبى القدس فى غابة الدجل

فكم عابث بالنور أضرى انتقامه

وكم هازئ بالبعث قام ليقتتل

وكل الخفافيش الحيارى تواثبت

ترد الهجوم الفجر بالأصبع الأشل

قصارى الذى قاموا به فى جنونهم

زنانين حقد ألهبت مشعل البطل

فعادت إلى الأذهان ألف حكاية

ملوثة السيقان بالعار والوحل

وما كانت الوديان تسخو إذا جرت

على أرضنا أسطورة الذئب والحمل

عشقت ألسنا يا فارسى فغرسته

على وجنة الأطفال يرفل كالقبل

وما كانت الأطفال تولد لو ترى

نهادا من الأشواك والمر قد جدل

فسقت الدم المهراق يهزج فى الثرى

يعيد إلى الغابات عصفورة الغزل

وطيفك رفاف يفيض على القرى

بيادر صحو للسنا أينما نزل

فعش هانئا فالطفل يحضن عمره

مواويل عطر فى المجامر تشتعل

وكوكبة الأفراح شقت طريقها

تهدهد مخضل البراعم فى جذل

على خطوها تنمو المصابيح ثرة

وقصة جلاد تغور على عجل

إلى هوة الموتى بثور تقوقعت

حكايا يغنيها الذى يضرب المثل

Almasryalyoum

خالد يوسف يقتحم الدراما بـ «سره الباتع» ويبحث عن سيناريو يشبع خياله

By | مقالات

الأحد 13 نوفمبر 2011 – 12:42 ص

قرر المخرج خالد يوسف خوض تجربة الدراما التلفزيونية في رمضان 2013 من خلال قصة الكاتب الراحل يوسف ادريس «سره الباتع»، واتفق مع الكاتب محفوظ عبدالرحمن على كتابة السيناريو والحوار. ويقول خالد يوسف لـ«الاتحاد»: فكرة تقديم مسلسل تليفزيوني تراودني منذ فترة ولكن أنشغالي بالسينما جعلني أؤجل التجربة الى أن قرأت قصة «سره الباتع» للراحل يوسف إدريس فقررت تقديمها في فيلم سينمائي، ولكن وجدت تقديمها في عمل تلفزيوني أفضل لأن العمل يستوعب أن يكون مسلسلا أكثر بالإضافة إلى ضخامة إنتاجه كفيلم ولو قدم كمسلسل فإن تسويقه سيعوض ضخامة الإنتاج.

يضيف خالد يوسف: قصة يوسف إدريس رائعة، ورغم أنها تتناول حدثا وقع وقت الحملة الفرنسية على مصر، فإن أحداثها تتشابه بشكل كبير مع ما يجري الآن، فالمسلسل يستحضر بعض جوانب البطولة في ثورة القاهرة ويروي قصة مواطن مصري يقتل أحد جنود الحملة الفرنسية، ما يستدعي إطلاق حملات مطاردة في ربوع مصر كلها من أجل العثور على ذلك المواطن، خاصة أن له علامة مميزة، وهي أن له أربعة أصابع فقط في يده، ووشم لعصفورة على وجهه ولكن جيوش نابليون تقع في ورطة حينما يقطع عدد من الشباب في القرية التي يحتمي بها إصبعاً لكل منهم، ويرسمون وشما مشابها له للحفاظ على حياته.

ويشير خالد يوسف إلى انه يعاني من صعوبة العثور على نص سينمائي ليقدمه في الفترة المقبلة. وقال: بعد ثورة 25 يناير لم أستطع العثور على سيناريو يشبع خيالي كمخرج وقد قدمت قبل الثورة «هي فوضى» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة»، وغيرها من الأفلام وحاليا لا أستطيع تقديم هذه النوعية، فالثورة تخطت ما قدمناه بكثير.

فرقة وشتات

وعن فيلمه الجديد «كف القمر» الذي بدأ عرضه منذ أيام قال: الفيلم رحلة في تاريخ شتات وفرقة الشعوب والأسر من مصريين أو عرب أو أجانب ويمتزج فيه الخاص بالعام ليكشف مظاهر التناحر والتقاتل ومواطن الضعف ومكامن القوة وهو محاولة للبحث عن الهدف وتحليل إمكانية لمّ الشمل العربي. وأكد أنه في «كف القمر» يتساءل عن إمكانية وجود بعث عربي جديد بشكل حقيقي سيجعل لهذه الأمة شأنًا مختلفًا وقوة مؤثرة وفاعلة وسط العالم؟ أم أن ربيع الثورات العربية سيكون مجرد موجة ستندثر وتتحول إلى زبد بحر؟ ونعود مرة أخرى لإهدار قيمة ما نملكه من إمكانات حضارية وثقافية أثرت البشرية.

وعن قصة الفيلم قال خالد يوسف إنه يدور حول أم هي «قمر» التي ترقد على فراش المرض الأخير وتبعث الابن الكبير لكي يجمع إخوته كي تلقي عليهم نظرة أخيرة قبل الموت والأم المنتمية الى صعيد مصر هي التي دفعت أولادها للهبوط للمدينة بحثًا عن الرزق الذي يمكنهم من العودة لاستكمال حلم والدهم في بناء البيت القديم والذي دفع حياته ثمنًا لبنائه وتدور بهم الدوائر لينقسموا ويتشتتوا ويفترقوا وتعيش الام أيامها الأخيرة وهي في انتظار عودة أولادها وتكون وحدتها ومرضها إغراء للناهبين الذين يسرقون البيت حتى يصلوا لسرقة جدرانه ويتحول البيت الى أطلال في رحلة بحث الأخ الكبير عن بقية إخوته، ونعرف كيف فرقتهم الأيام حتى أصبحوا أقرب الى الأعداء منهم للإخوة فهل ينجح الأخ في تجميع إخوته لإلقاء نظرة أخيرة على أمهم ؟وهل هذا التجمع لو حدث بعد موت الأم سيجعلهم يبنون البيت ويحققون ما حلم به أبوهم وأمهم أم سيستمرون في الفرقة والشتات.

أخطاء فنية

واعترف المخرج خالد يوسف بالأخطاء الفنية في الفيلم وقال: الماكيير لم يوفق في صناعة ماكياج مقنع للفنانة وفاء عامر، فكانت المشاهد التي تقترب فيها الكاميرا منها تبدو غير مقنعة، عكس المشاهد البعيدة. وأشار الى أنه لاحظ ذلك أثناء التصوير، ولم يطلب إعادة تصويرها رأفة بمنتج الفيلم كامل أبوعلي، حيث كان يتطلب ذلك مزيدا من الوقت والنفقات، فكان الخيار هو التنازل عن خروج هذه المشاهد في أفضل صورة، حتى لا يذبح المنتج ويستطيع إنتاج أفلام أخرى.

شخصية «قمر»

أكد خالد يوسف أن اختياره لوفاء عامر لتجسيد شخصية «قمر» في سن متقدمة وعدم استعانته بممثلة في نفس المرحلة العمرية جاء لأنه كان أمام خيارين، إما الاستعانة بممثلة متقدمة في العمر لتجسد المرحلة الأخيرة ببراعة ولكن هذا سيكون على حساب المرحلتين الأوليين لأن هذه الممثلة يستحيل عودتها لشبابها مرة أخرى.

وفي الوقت نفسه لن يحدث في أفلام خالد يوسف أن تقدم ممثلتان دورا واحدا الأولى في الشباب والثانية للكبار، لأن العلم أثبت أن الإنسان ملامحه لا تتغير تقريبا بعد بلوغه العشرين من عمره إلا قليلا، وبالتالي سيكون هذا غير مقنع.

الاتحاد